الفصل الثالث عشر في علوم البشر و علومالملائكة - تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
و ينبغي، فعلا و تركا. و تحصل في ملابسةالملكة في معاملة أبناء جنسه. و من تتبّعذلك سائر عمره حصل له العثور على كلّقضيّة. و لا بدّ بما تسعه التجربة منالزّمن. و قد يسهّل الله على كثير من البشرتحصيل ذلك في أقرب زمن التجربة، إذ قلّدفيها الآباء و المشيخة و الأكابر، و لقّنعنهم و وعى تعليمهم، فيستغني عن طولالمعانات في تتبّع الوقائع و اقتناص هذاالمعنى من بينها. و من فقد العلم في ذلك والتقليد فيه أو أعرض عن حسن استماعه واتّباعه، طال عناؤه في التأديب بذلك،فيجري في غير مألوف و يدركها على غير نسبة،فتوجد آدابه و معاملاته سيّئة الأوضاعبادية الخلل، و يفسد حاله في معاشه بينأبناء جنسه. و هذا معنى القول المشهور: «منلم يؤدّبه والده أدّبه الزّمان». أي من لميلقّن الآداب في معاملة البشر من والديه- وفي معناهما المشيخة و الأكابر- و يتعلّمذلك منهم، رجع إلى تعلّمه بالطّبع منالواقعات على توالي الأيّام، فيكونالزمان معلّمه و مؤدّبه لضرورة ذلك بضرورةالمعاونة الّتي في طبعه.
و هذا هو العقل التجريبيّ، و هو يحصل بعدالعقل التمييزيّ الّذي تقع به الأفعال كمابيّناه. و بعد هذين مرتبة العقل النظريّالّذي تكفّل بتفسيره أهل العلوم، فلايحتاج إلى تفسيره في هذا الكتاب. و اللهجعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة قليلاما تشكرون.
الفصل الثالث عشر في علوم البشر و علومالملائكة
إنّا نشهد في أنفسنا بالوجدان الصّحيحوجود ثلاثة عوالم: أوّلها: عالم الحسّ، ونعتبره بمدارك الحسّ الّذي شاركنا فيهالحيوانات بالإدراك، ثمّ نعتبر الفكرالّذي اختصّ به البشر فنعلم منه وجودالنفس الإنسانيّة علما ضروريّا بما بينجنبينا من مدارك العلميّة الّتي هي فوقمدارك الحسّ، فتراه عالما آخر فوق