الفصل السابع و الخمسون في أن حصول هذهالملكة بكثرة الحفظ و جودتها بجودةالمحفوظ
قد قدّمنا أنّه لا بدّ من كثرة الحفظ لمنيروم تعلّم اللّسان العربيّ و على قدرجودة المحفوظ و طبقته في جنسه و كثرته منقلّته تكون جودة الملكة الحاصلة عنهللحافظ. فمن كان محفوظه من أشعار العربالإسلاميّين شعر حبيب أو العتابيّ أو ابنالمعتزّ أو ابن هانئ أو الشّريف الرّضيّأو رسائل ابن المقفّع أو سهل ابن هارون أوابن الزّيّات أو البديع أو الصّابيءتكون ملكته أجود و أعلى مقاما و رتبة فيالبلاغة ممّن يحفظ شعر ابن سهل منالمتأخّرين أو ابن النّبيه أو ترسّلالبيسانيّ أو العماد الأصبهانيّ لنزولطبقة هؤلاء عن أولئك يظهر ذلك للبصيرالنّاقد صاحب الذّوق. و على مقدار جودةالمحفوظ أو المسموع تكون جودة الاستعمالمن بعده ثمّ إجادة الملكة من بعدهما.فبارتقاء المحفوظ في طبقته من الكلامترتقي الملكة الحاصلة لأنّ الطّبع إنّماينسج على منوالها و تنمو قوى الملكةبتغذيتها. و ذلك أنّ النّفس و إن كانت فيجبلّتها واحدة بالنّوع فهي تختلف في البشربالقوّة و الضعف في الإدراكات. و اختلافهاإنّما هو باختلاف ما يرد عليها منالإدراكات و الملكات و الألوان الّتيتكيّفها من خارج. فبهذه يتمّ وجودها و تخرجمن القوّة إلى الفعل صورتها و الملكاتالّتي تحصل لها إنّما تحصل على التّدريجكما قدّمناه. فالملكة الشّعريّة تنشأ بحفظالشّعر و ملكة الكتابة بحفظ الأسجاع والتّرسيل، و العلميّة بمخالطة العلوم والإدراكات و الأبحاث و الأنظار، والفقهيّة بمخالطة الفقه و تنظير المسائل وتفريعها و تخريج الفروع على الأصول، والتّصوّفيّة الرّبّانيّة بالعبادات والأذكار و تعطيل الحواسّ الظّاهرةبالخلوة و الانفراد عن الخلق ما استطاعحتّى تحصل له ملكة الرّجوع إلى حسّهالباطن و روحه و ينقلب ربّانيّا و كذاسائرها. و للنّفس في كلّ واحد منها لونتتكيّف به