كما مرّ في أنّ المجد و الحسب إنّما هوأربعة آباء و قد أتيناك فيه ببرهان طبيعيّكاف ظاهر مبنيّ على ما مهّدناه قبل منالمقدّمات فتأمّله فلن تعدو وجه الحقّ إنكنت من أهل الإنصاف و هذه الأجيالالثّلاثة عمرها مائة و عشرون سنة على مامرّ و لا تعدو الدّول في الغالب هذا العمربتقريب قبله أو بعده إلّا إن عرض لها عارضآخر من فقدان المطالب فيكون الهرم حاصلامستوليا و الطّالب لم يحضرها و لو قد جاءالطّالب لما وجد مدافعا «فَإِذا جاءَأَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ 7: 34» فهذا العمرللدّولة بمثابة عمر الشّخص من التّزيّدإلى سنّ الوقوف ثمّ إلى سنّ الرّجوع و لهذايجري على ألسنة النّاس في المشهور أنّ عمرالدّولة مائة سنة و هذا معناه فاعتبره واتّخذ منه قانونا يصحّح لك عدد الآباء فيعمود النّسب الّذي تريده من قبل معرفةالسّنين الماضية إذا كنت قد استربت فيعددهم و كانت السّنون الماضية منذ أوّلهممحصّلة لديك فعدّ لكلّ مائة من السّنينثلاثة من الآباء فإن نفدت على هذا القياسمع نفود (1) عددهم فهو صحيح و إن نقصت عنهبجيل فقد غلط عددهم بزيادة واحد في عمودالنّسب و إن زادت بمثله فقد سقط واحد وكذلك تأخذ عدد السّنين من عددهم إذا كانمحصّلا لديك فتأمّله تجده في الغالب صحيحا«وَ الله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ 73: 20».
الفصل الخامس عشر في انتقال الدولة منالبداوة إلى الحضارة
اعلم أنّ هذه الأطوار طبيعيّة للدّولفإنّ الغلب الّذي يكون به الملك إنّما هوبالعصبيّة و بما يتبعها من شدّة البأس وتعوّد الافتراس و لا يكون ذلك غالبا إلّامع البداوة فطور الدّولة من أوّلها بداوةثمّ إذا حصل الملك تبعه الرّفه و اتّساعالأحوال
(1) الأصح أن يقول نفاد عددهم.