كانت العناية قديما بالدّواوين العلميّةو السّجلّات في نسخها و تجليدها و تصحيحهابالرّواية و الضّبط. و كان سبب ذلك ما وقعمن ضخامة الدّولة و توابع الحضارة. و قدذهب ذلك لهذا العهد بذهاب الدّولة و تناقصالعمران بعد أن كان منه في الملّةالإسلاميّة بحر زاخر بالعراق و الأندلس إذهو كله من توابع العمران و اتّساع نطاقالدّولة و نفاق أسواق ذلك لديهما. فكثرتالتّآليف العلميّة و الدّواوين و حرصالنّاس على تناقلهما في الآفاق و الأعصارفانتسخت و جلّدت.و جاءت صناعة الورّاقين المعانينللانتساخ و التّصحيح و التّجليد و سائرالأمور الكتبيّة و الدّواوين و اختصّتبالأمصار العظيمة العمران. و كانتالسّجلّات أوّلا:لانتساخ العلوم و كتب الرّسائلالسّلطانيّة و الإقطاعات، و الصّكوك فيالرّقوق المهيّأة بالصّناعة من الجلدلكثرة الرّفه و قلّة التّآليف صدر الملّةكما نذكره، و قلّة الرّسائل السّلطانيّة والصّكوك مع ذلك فاقتصروا على الكتاب فيالرّقّ تشريفا للمكتوبات و ميلا بها إلىالصّحّة و الإتقان. ثمّ طما بحر التّآليف والتّدوين و كثر ترسيل السّلطان و صكوكه وضاق الرّقّ عن ذلك. فأشار الفضل بن يحيىبصناعة الكاغد و صنعه و كتب فيه رسائلالسّلطان و صكوكه. و اتّخذه النّاس من بعدهصحفا لمكتوباتهم السّلطانيّة و العلميّة.و بلغت الإجادة في صناعته ما شاءت. ثمّوقفت عناية أهل العلوم و همم أهل الدّولعلى ضبط الدّواوين العلميّة و تصحيحهابالرّواية المسندة إلى مؤلّفيها وواضعيها لأنّه الشّأن الأهمّ من التّصحيحو الضّبط فبذلك تسند الأقوال إلى قائلها والفتيا إلى الحاكم بها المجتهد في طريقاستنباطها. و ما لم يكن تصحيح المتونبإسنادها إلى مدوّنها فلا يصحّ إسناد قوللهم و لا فتيا. و هكذا كان شأن أهل العلم وحملته في العصور و الأجيال و الآفاق.