المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرضو الإشارة إلى بعض ما فيه من الأشجار (1) والأنهار و الأقاليم
اعلم أنّه قد تبيّن في كتب الحكماءالنّاظرين في أحوال العالم أنّ شكل الأرضكرويّ و أنّها محفوفة بعنصر الماء كأنّهاعنبة طافية عليه فانحسر الماء عن بعضجوانبها لما أراد الله من تكوين الحيواناتفيها و عمرانها بالنّوع البشريّ الّذي لهالخلافة على سائرها و قد يتوهّم من ذلك أنّالماء تحت الأرض و ليس بصحيح و إنّماالنّحت الطّبيعيّ قلب الأرض و وسط كرتهاالّذي هو مركزها و الكلّ يطلبه بما فيه منالثّقل و ما عدا ذلك من جوانبها و أمّاالماء المحيط بها فهو فوق الأرض و إن قيلفي شيء منها إنّه تحت الأرض فبالإضافةإلى جهة أخرى منه. و أمّا الّذي انحسر عنهالماء من الأرض فهو النّصف من سطح كرتها فيشكل دائرة أحاط العنصر المائيّ بها منجميع جهاتها بحرا يسمّى البحر المحيط ويسمّى أيضا لبلايه بتفخيم اللّامالثّانية و يسمّى أوقيانوس أسماء أعجميّةو يقال له البحر الأخضر و الأسود ثمّ إنّهذا المنكشف من الأرض للعمران فيه القفارو الخلاء أكثر من عمرانه و الخالي من جهةالجنوب منه أكثر من جهة الشّمال و إنّماالمعمور منه أميل إلى الجانب الشّماليّعلى شكل مسطّح كرويّ ينتهي من جهة الجنوبإلى(1) ورد بالأصل في جميع النسخ الأشجار و هوتحريف. و في النسخة الباريسية المخطوطة:البحار و هو الصحيح لأن البحث في هذهالمقدمة مستفيض عن البحار و لا يكاد يكونللأشجار بها ذكر.