يتربّون على الحضارة و خلقها. موجودون (1)في كلّ دولة. فقد تبيّن أنّ الحضارة هي سنّالوقوف لعمر العالم في العمران و الدّولة(2) و الله سبحانه و تعالى كُلَّ يَوْمٍهُوَ في شَأْنٍ 55: 29 لا يشغله شأن عن شأن.
الفصل التاسع عشر في أن الأمصار التي تكونكراسي للملك تخرب بخراب الدولة و انقراضها
قد استقرينا في العمران أنّ الدّولة إذااختلّت و انتقضت فإنّ المصر الّذي يكونكرسيّا لسلطانها ينتقض عمرانه و ربّماينتهي في انتقاضه إلى الخراب و لا يكاد ذلكيتخلّف. و السّبب فيه أمور: الأوّل أنّالدّولة لا بدّ في أوّلها من البداوةالمقتضية للتّجافي عن أموال النّاس والبعد عن التّحذلق. و يدعو ذلك إلى تخفيفالجباية و المغارم الّتي منها مادّةالدّولة فتقلّ النّفقات و يقل (3) التّرففإذا صار المصر الّذي كان كرسيّا للملك فيملكة هذه الدّولة المتجدّدة و نقصت أحوالالتّرف فيها نقص التّرف فيمن تحت أيديهامن أهل المصر لأنّ الرّعايا تبع للدّولةفيرجعون إلى خلق الدّولة إمّا طوعا لما فيطباع البشر من تقليد متبوعهم أو كرها لمايدعو إليه خلق الدّولة من الانقباض عنالتّرف في جميع الأحوال و قلّة الفوائدالّتي هي مادّة العوائد فتقصر لذلك حضارةالمصر و يذهب منه كثير من عوائد التّرف. وهو معنى ما نقول في خراب المصر. الأمرالثّاني أنّ الدّولة إنّما يحصل لها الملكو الاستيلاء بالغلب، و إنّما يكون بعدالعداوة و الحروب. و العداوة تقتضي منافاةبين أهل الدّولتين، و تكثر إحداهما علىالأخرى في العوائد و الأحوال. و غلب أحدالمتنافيين يذهب بالمنافي الآخر فتكونأحوال الدّولة
(1) و في نسخة أخرى: و هذا موجود.
(2) و في نسخة أخرى: من العمران و الدول.
(3) و في نسخة أخرى: يقصر.