الفصل التاسع في أن المباني التي كانتتختطها العرب يسرع إليها الخراب إلا فيالأقل
و السّبب في ذلك شأن البداوة و البعد عنالصّنائع كما قدّمناه فلا تكون المبانيوثيقة في تشييدها و له و الله أعلم وجه آخرو هو أمسّ به و ذلك قلّة مراعاتهم لحسنالاختيار في اختطاط المدن كما قلناه فيالمكان و طيب الهواء و المياه و المزارع والمراعي فإنّه بالتّفاوت في هذا تتفاوتجودة المصر و رداءته من حيث العمرانالطّبيعيّ و العرب بمعزل عن هذا و إنّمايراعون مراعي إبلهم خاصّة لا يبالونبالماء طاب أو خبث و لا قلّ أو كثر و لايسألون عن زكاء المزارع و المنابت والأهوية لانتقالهم في الأرض و نقلهمالحبوب من البلد البعيد و أمّا الرّياحفالقفر مختلف للمهابّ كلّها و الظّعن كفيللهم بطيبها لأنّ الرّياح إنّما تخبث معالقرار و السّكنى و كثرة الفضلات و انظرلمّا اختطّوا الكوفة و البصرة و القيروانكيف لم يراعوا في اختطاطها إلّا مراعيإبلهم و ما يقرب من القفر و مسالك الظّعنفكانت بعيدة عن الوضع الطّبيعيّ للمدن ولم تكن لها مادّة تمدّ عمرانها من بعدهمكما قدّمنا أنّه يحتاج إليه في العمرانفقد كانت مواطنها غير طبيعيّة للقرار و لمتكن في وسط الأمم فيعمّرها النّاس فلأوّلوهلة من انحلال أمرهم و ذهاب عصبيّتهمالّتي كانت سياجا لها أتى عليها الخراب والانحلال كأن لم تكن. «وَ الله يَحْكُمُ لامُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ 13: 41»