عباده من الشّفقة و النّعرة (1) على ذويأرحامهم و قرباهم موجودة في الطّبائعالبشريّة و بها يكون التّعاضد و التّناصرو تعظم رهبة العدوّ لهم و اعتبر ذلك فيماحكاه القرآن عن إخوة يوسف عليه السّلامحين قالوا لأبيه لئن أكله الذّئب و نحنعصبة إنّا إذا لخاسرون و المعنى أنّه لايتوهّم العدوان على أحد مع وجود العصبة لهو أمّا المتفرّدون في أنسابهم فقلّ أنتصيب أحدا منهم نعرة على صاحبه فإذا أظلمالجوّ بالشّرّ يوم الحرب تسلّل كلّ واحدمنهم يبغي النّجاة لنفسه خيفة و استيحاشامن التّخاذل فلا يقدرون من أجل ذلك علىسكنى القفر لما أنّهم حينئذ طعمة لمنيلتهمهم من الأمم سواهم و إذا تبيّن ذلك فيالسّكنى الّتي تحتاج للمدافعة و الحمايةفبمثله يتبيّن لك في كلّ أمر يحمل النّاسعليه من نبوة أو إقامة ملك أو دعوة إذ بلوغالغرض من ذلك كلّه إنّما يتمّ بالقتالعليه لما في طبائع البشر من الاستعصاء و لابدّ في القتال من العصبيّة كما ذكرناهآنفا فاتّخذه إماما تقتدي به فيما نوردهعليك بعد و الله الموفّق للصّواب.
الفصل الثامن في أن العصبية إنما تكون منالالتحام بالنسب أو ما في معناه
و ذلك أنّ صلة الرّحم طبيعيّ في البشرإلّا في الأقلّ و من صلتها النّعرة على ذويالقربى و أهل الأرحام أن ينالهم ضيم أوتصيبهم هلكة فإنّ القريب يجد في نفسهغضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه و يودّلو يحول بينه و بين ما يصله من المعاطب والمهالك نزعة طبيعيّة في البشر مذ كانوافإذا كان النّسب المتواصل بين المتناصرينقريبا جدّا بحيث حصل به الاتّحاد والالتحام كانت الوصلة ظاهرة فاستدعت ذلكبمجرّدها و وضوحها و إذا بعد النّسب بعضالشّيء فربّما
(1) النعرة و النعار بالضمّ فيهما و النعير:الصراخ و الصياح في حرب أو شر (قاموس) والمعنى هنا التعصب لذوي الأرحام و نجدتهم.