الفصل الستون في أشعار العرب و أهلالأمصار لهذا العهد
اعلم أنّ الشّعر لا يختصّ باللّسانالعربيّ فقط بل هو موجود في كلّ لغة سواءكانت عربيّة أو عجميّة و قد كان في الفرسشعراء و في يونان كذلك و ذكر منهم أرسطو فيكتاب المنطق أو ميروس الشّاعر و أثنى عليه.و كان في حمير أيضا شعراء متقدّمون. و لمّافسد لسان مضر و لغتهم الّتي دوّنتمقاييسها و قوانين إعرابها و فسدت اللّغاتمن بعد بحسب ما خالطها و مازجها من العجمةفكانت تحيل (1) العرب بأنفسهم لغة خالفت لغةسلفهم من مضر في الإعراب جملة و في كثير منالموضوعات اللّغويّة و بناء الكلمات. وكذلك الحضر أهل الأمصار نشأت فيهم لغةأخرى خالفت لسان مضر في الإعراب و أكثرالأوضاع و التّصاريف و خالفت أيضا لغةالجيل من العرب لهذا العهد. و اختلفت هي فينفسها بحسب اصطلاحات أهل الآفاق فلأهلالشّرق و أمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره و تخالفهما أيضا لغة أهل الأندلس وأمصاره. ثمّ لمّا كان الشّعر موجودابالطّبع في أهل كلّ لسان لأنّ الموازينعلى نسبة واحدة في أعداد المتحرّكات والسّواكن و تقابلها موجودة في طباع البشرفلم يهجر الشّعر بفقدان لغة واحدة و هي لغةمضر الّذين كانوا فحوله و فرسان ميدانهحسبما اشتهر بين أهل الخليقة. بل كلّ جيل وأهل كلّ لغة من العرب المستعجمين و الحضرأهل الأمصار يتعاطون منه ما يطاوعهم فيانتحاله و رصف بنائه على مهيع كلامهم.فأمّا العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عنلغة سلفهم من مضر فيقرضون الشّعر لهذاالعهد في سائر الأعاريض على ما كان عليهسلفهم المستعربون و يأتون منه بالمطوّلاتمشتملة(1) و في نسخة أخرى: لجيل.