الفصل العاشر في مبادي الخراب في الأمصار
اعلم أنّ الأمصار إذا اختطّت أوّلا تكونقليلة المساكن و قليلة آلات البناء منالحجر و الجير و غيرهما ممّا يعالى علىالحيطان عند التّأنّق كالزّلج (1) والرّخام و الرّبج (2) و الزّجاج و الفسيفساءو الصّدف فيكون بناؤها يومئذ بدويّا وآلاتها فاسدة فإذا عظم عمران المدينة وكثر ساكنها كثرت الآلات بكثرة الأعمالحينئذ و كثرت الصّنّاع إلى أن تبلغ غايتهامن ذلك كما سبق بشأنها فإذا تراجع عمرانهاو خفّ ساكنها قلّت الصّنائع لأجل ذلك وفقدت الإجادة في البناء و الإحكام والمعالاة عليه بالتّنميق ثمّ تقلّالأعمال لعدم السّاكن فيقلّ جلب الآلات منالحجر و الرّخام و غيرهما فتفقد و يصيربناؤهم و تشييدهم من الآلات الّتي فيمبانيهم فينقلونها من مصنع إلى مصنع لأجلخلاء أكثر المصانع و القصور و المنازلبقلّة العمران و قصوره عمّا كان أوّلا ثمّلا تزال تنقل من قصر إلى قصر و من دار إلىدار إلى أن يفقد الكثير منها جملة فيعودونإلى البداوة في البناء و اتّخاذ الطّوبعوضا عن الحجارة و القصور عن التّنميقبالكلّيّة فيعود بناء المدينة مثل بناءالقرى و المدر و تظهر عليها سيماء البداوةثمّ تمرّ في التّناقص إلى غايتها منالخراب إن قدّر لها به سنّة الله في خلقه.(1) الزلج: الصخور الملس (لسان العرب).(2) الربج: الدرهم الصغير (لسان العرب) و فيالنسخة الباريسية السبج: الخرز الأسود(لسان العرب)