الفصل الواحد و الخمسون في تفسير الذوق فيمصطلح أهل البيان و تحقيق معناه و بيان أنهلا يحصل للمستعربين من العجم
اعلم أنّ لفظة الذّوق يتداولها المعتنونبفنون البيان و معناها حصول ملكة البلاغةللّسان. و قد مرّ تفسير البلاغة و أنّهامطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوههبخواصّ تقع للتّراكيب في إفادة ذلك.فالمتكلّم بلسان العرب و البليغ فيهيتحرّى الهيئة المفيدة لذلك على أساليبالعرب و أنحاء مخاطباتهم و ينظم الكلامعلى ذلك الوجه جهده فإذا اتّصلت مقاماته (1)بمخالطة كلام العرب حصلت له الملكة في نظمالكلام على ذلك الوجه و سهل عليه أمرالتّركيب حتّى لا يكاد ينحو فيه غير منحىالبلاغة الّتي للعرب و إن سمع تركيبا غيرجار على ذلك المنحى مجّه و نبا عنه سمعهبأدنى فكر، بل و بغير فكر، إلّا بما استفادمن حصول هذه الملكة. فإنّ الملكات إذااستقرّت و رسخت في محالّها ظهرت كأنّهاطبيعة و جبلّة لذلك المحلّ. و لذلك يظنّكثير من المغفّلين ممّن لم يعرف شأنالملكات أنّ الصّواب للعرب في لغتهمإعرابا و بلاغة أمر طبيعيّ. و يقول كانتالعرب تنطق بالطّبع و ليس كذلك و إنّما هيملكة لسانيّة في نظم الكلام تمكّنت و رسختفظهرت في بادئ الرّأي أنّها جبلّة و طبع. وهذه الملكة كما تقدّم إنّما تحصل بممارسةكلام العرب و تكرّره على السّمع والتّفطّن لخواصّ تراكيبه و ليست تحصلبمعرفة القوانين العلميّة في ذلك الّتياستنبطها أهل صناعة اللّسان فإنّ هذهالقوانين إنّما تفيد علما بذلك اللّسان ولا تفيد حصول الملكة بالفعل في محلّها و قدمرّ ذلك. و إذا تقرّر ذلك فملكة البلاغة فياللّسان تهدي البليغ إلى وجود النّظم(1) و في نسخة أخرى: معاناته لذلك.