القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدّنيا حصل التّنافس و فشاالخلاف و إذا انصرفت إلى الحقّ و رفضتالدّنيا و الباطل و أقبلت على الله اتّحدتوجهتها فذهب التّنافس و قلّ الخلاف و حسنالتّعاون و التّعاضد و اتّسع نطاق الكلمةلذلك فعظمت الدّولة كما نبيّن لك بعد إنشاء الله سبحانه و تعالى و به التّوفيق لاربّ سواه.
الفصل الخامس في أن الدعوة الدينية تزيدالدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التيكانت لها من عددها
و السّبب في ذلك كما قدّمناه أنّ الصّبغةالدّينيّة تذهب بالتنافس و التّحاسدالّذي في أهل العصبيّة و تفرد الوجهة إلىالحقّ فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لميقف لهم شيء لأنّ الوجهة واحدة و المطلوبمتساو عندهم و هم مستميتون عليه و أهلالدّولة الّتي هم طالبوها و إن كانواأضعافهم فأغراضهم متباينة بالباطل وتخاذلهم لتقيّة الموت حاصل فلا يقاومونهمو إن كانوا أكثر منهم بل يغلبون عليهم ويعاجلهم الفناء بما فيهم من التّرف والذّلّ كما قدّمناه و هذا كما وقع للعربصدر الإسلام في الفتوحات فكانت جيوشالمسلمين بالقادسيّة و اليرموك بضعة وثلاثين ألفا في كلّ معسكر و جموع فارس مائةو عشرين ألفا بالقادسيّة و جموع هرقل علىما قاله الواقديّ أربعمائة ألف فلم يقفللعرب أحد من الجانبين و هزموهم و غلبوهمعلى ما بأيديهم و اعتبر ذلك أيضا في دولةلمتونة و دولة الموحّدين فقد كان بالمغربمن القبائل كثير ممّن يقاومهم في العدد والعصبيّة أو يشفّ (1) عليهم إلّا أنّالاجتماع الدّينيّ ضاعف قوّة عصبيّتهمبالاستبصار
(1) يشفّ: يزيد.