الفصل الخامس عشر في أن خلق التجارة نازلةعن خلق الرؤساء و بعيدة من المروءة
قد قدّمنا في الفصل قبله أنّ التّاجرمدفوع إلى معاناة البيع و الشّراء و جلبالفوائد و الأرباح و لا بدّ في ذلك منالمكايسة و المماحكة و التّحذلق و ممارسةالخصومات و اللّجاج و هي عوارض هذه الحرفة.و هذه الأوصاف نقص (1) من الذّكاء و المروءةو تجرّح (2) فيها لأنّ الأفعال لا بدّ من عودآثارها على النّفس. فأفعال الخير تعودبآثار الخير و الذّكاء و أفعال الشّرّ والسّفسفة تعود بضدّ ذلك فتتمكّن و ترسخ إنسبقت و تكرّرت و تنقص خلال الخير إن تأخّرتعنها بما ينطبع من آثارها المذمومة فيالنّفس شأن الملكات النّاشئة عن الأفعال.و تتفاوت هذه الآثار بتفاوت أصنافالتّجّار في أطوارهم فمن كان منهم سافلالطّور محالفا لأشرار الباعة أهل الغشّ والخلابة و الخديعة و الفجور في الأثمان (3)إقرارا و إنكارا، كانت رداءة تلك الخلقعنه أشدّ و غلبت عليه السّفسفة و بعد عنالمروءة و اكتسابها بالجملة. و إلّا فلابدّ له من تأثير المكايسة و المماحكة فيمروءته، و فقدان ذلك منهم في الجملة. ووجود الصّنف الثّانيّ منهم الّذي قدّمناهفي الفصل قبله أنّهم يدّرعون بالجاه ويعوّض لهم من مباشرة ذلك، فهم (4) نادر وأقلّ من النّادر.
و ذلك أن يكون المال قد يوجد (5) عنده دفعةبنوع غريب أو ورثه عن أحد من أهل بيتهفحصلت له ثروة تعينه على الاتّصال بأهلالدّولة و تكسبه ظهورا و شهرة بين أهل عصرهفيرتفع عن مباشرة ذلك بنفسه و يدفعه إلى منيقوم له به من وكلائه و حشمه. و يسهّل لهالحكّام النّصفة في حقوقهم بما يؤنسونه منبرّه
(1) و في نسخة أخرى: تفضّ.
(2) و في نسخة أخرى: تخدج.
(3) و في نسخة أخرى: الإيمان.
(4) و في نسخة أخرى: فيهم.
(5) و في نسخة أخرى: توفر.