دفعة. و من كان على الفطرة كان أسهل لقبولالملكات و أحسن استعدادا لحصولها. فإذاتلوّنت النّفس بالملكة الأخرى و خرجت عنالفطرة ضعف فيها الاستعداد باللّونالحاصل من هذه الملكة فكان قبولها للملكةالأخرى أضعف.
و هذا بيّن يشهد له الوجود. فقلّ أن تجدصاحب صناعة يحكمها ثمّ يحكم من بعدها أخرىو يكون فيهما معا على رتبة واحدة منالإجادة. حتّى أنّ أهل العلم الّذينملكتهم فكريّة فهم بهذه المثابة. و من حصلمنهم على ملكة علم من العلوم و أجادها فيالغاية فقلّ أن يجيد ملكة علم آخر علىنسبته بل يكون مقصّرا فيه إن طلبه إلّا فيالأقلّ النّادر من الأحوال. و مبنيّ سببهعلى ما ذكرناه من الاستعداد و تلوينه بلونالملكة الحاصلة في النّفس. و الله سبحانه وتعالى أعلم و به التّوفيق لا ربّ سواه.
الفصل الثالث و العشرون في الإشارة إلىأمهات الصنائع
اعلم أنّ الصّنائع في النّوع الإنسانيّكثيرة لكثرة الأعمال المتداولة فيالعمران. فهي بحيث تشذّ عن الحصر و لايأخذها العدّ. إلّا أنّ منها ما هو ضروريّفي العمران أو شريف بالموضع (1) فنخصّهابالذّكر و نترك ما سواها. فأمّا الضّروريّفالفلاحة و البناء و الخياطة و النّجارة والحياكة، و أمّا الشّريفة بالموضع (1)فكالتّوليد و الكتابة و الوراقة و الغناءو الطّبّ. فأمّا التّوليد فإنّها ضروريّةفي العمران و عامّة البلوى إذ بها تحصلحياة المولود و تتمّ غالبا.
و موضوعها مع ذلك المولودون و أمّهاتهم. وأمّا الطّبّ فهو حفظ الصّحّة للإنسان ودفع المرض عنه و يتفرّع عن علم الطّبيعة، وموضوعة مع ذلك بدن الإنسان.
و أمّا الكتابة و ما يتبعها من الوراقةفهي حافظة على الإنسان حاجته و مقيّدة لها
(1) و في نسخة أخرى: الموضوع.