و مخاضا و أحوجها في ذلك إلى الدّفءفاضطرّوا إلى إبعاد النّجعة و ربّمازادتهم الحامية عن التلول أيضا فأوغلوا فيالقفار نفرة عن الضّعة منهم فكانوا لذلكأشدّ النّاس توحّشا و ينزلون من أهلالحواضر منزلة الوحش غير المقدور عليه والمفترس من الحيوان العجم و هؤلاء همالعرب و في معناهم ظعون البربر و زناتةبالمغرب و الأكراد و التّركمان و التّركبالمشرق إلّا أنّ العرب أبعد نجعة و أشدّبداوة لأنّهم مختصّون بالقيام على الإبلفقط و هؤلاء يقومون عليها و على الشّياه والبقر معها فقد تبيّن لك أنّ جيل العربطبيعيّ لا بدّ منه في العمران و اللهسبحانه و تعالى أعلم.
قد ذكرنا أنّ البدو هم المقتصرون علىالضّروريّ في أحوالهم العاجزون عمّا فوقهو أنّ الحضر المعتنون بحاجات التّرف والكمال في أحوالهم و عوائدهم و لا شكّ أنّالضّروريّ أقدم من الحاجيّ و الكماليّ وسابق عليه و لأنّ الضّروريّ أصل والكماليّ فرع ناشئ عنه فالبدو أصل للمدن والحضر، و سابق عليهما لأنّ أوّل مطالبالإنسان الضّروريّ و لا ينتهي إلى الكمالو التّرف إلّا إذا كان الضّروريّ حاصلافخشونة البداوة قبل رقّة الحضارة و لهذانجد التّمدّن غاية للبدويّ يجري إليها وينتهي بسعيه إلى مقترحة منها و متى حصل علىالرّياش الّذي يحصل له به أحوال التّرف وعوائده عاج إلى الدّعة و أمكن نفسه إلىقياد المدينة و هكذا شأن القبائلالمتبدّية كلّهم و الحضريّ لا يتشوّف إلىأحوال البادية إلّا لضرورة تدعوه إليها أولتقصير عن أحوال أهل مدينته و ممّا يشهدلنا أنّ البدو أصل للحضر