تاریخ ابن خلدون

عبدالرحمان بن محمد ابن خلدون

جلد 1 -صفحه : 839/ 208
نمايش فراداده

و تلك العصبيّة الكبرى إنّما تكون لقومأهل بيت و رئاسة فيهم، و لا بدّ من أن يكونواحد منهم رئيسا لهم غالبا عليهم فيتعيّنرئيسا للعصبيّات كلّها لغلب منبتهلجميعها و إذا تعيّن له ذلك فمن الطّبيعةالحيوانيّة خلق الكبر و الأنفة فيأنفحينئذ من المساهمة و المشاركة فياستتباعهم و التّحكّم فيهم و يجي‏ء خلقالتّألّه الّذي في طباع البشر مع ماتقتضيه السّياسة من انفراد الحاكم لفسادالكلّ باختلاف الحكّام «لَوْ كانَفِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا21: 22» (1) فتجدع حينئذ أنوف العصبيّات و تفلحشكائمهم عن أن يسموا إلى مشاركته فيالتّحكّم و تقرع عصبيّتهم عن ذلك و ينفردبه ما استطاع حتّى لا يترك لأحد منهم فيالأمر لا ناقة و لا جملا فينفرد بذلك المجدبكلّيّته و يدفعهم عن مساهمته و قد يتمّذلك للأوّل من ملوك الدّولة و قد لا يتمّإلّا للثّاني و الثّالث على قدر ممانعةالعصبيّات و قوّتها إلّا أنّه أمر لا بدّمنه في الدّول سنّة الله الّتي قد خلت فيعباده و الله تعالى أعلم.

الفصل الحادي عشر في ان من طبيعة الملكالترف‏

و ذلك أنّ الأمّة إذا تغلّبت و ملكت مابأيدي أهل الملك قبلها كثر رياشها ونعمتها فتكثر عوائدهم و يتجاوزون ضروراتالعيش و خشونته إلى نوافله و رقّته و زينتهو يذهبون إلى اتّباع من قبلهم في عوائدهم وأحوالهم و تصير لتلك النّوافل عوائدضروريّة في تحصيلها و ينزعون مع ذلك إلىرقّة الأحوال في المطاعم و الملابس والفرش و الآنية و يتفاخرون في ذلك ويفاخرون فيه غيرهم من الأمم في أكلالطّيّب و لبس الأنيق و ركوب الفاره (2) ويناغي خلفهم في ذلك سلفهم إلى آخر الدّولةو على قدر ملكهم يكون حظّهم من ذلك و ترفهمفيه إلى أن يبلغوا من ذلك‏

(1) سورة الأنبياء الآية 22.

(2) الفارة في الفرس و البرذون و الحمار:الجيد السير.