و ذلك لما بيّنّا أنّ الصّنائع إنّماتستجاد إذا احتيج إليها و كثر طالبها. وإذا ضعفت أحوال المصر و أخذ في الهرمبانتقاض عمرانه و قلّة ساكنه تناقص فيهالتّرف و رجعوا إلى الاقتصار علىالضّروريّ من أحوالهم فتقلّ الصّنائعالّتي كانت من توابع التّرف لأنّ صاحبهاحينئذ لا يصحّ له بها معاشه فيفرّ إلىغيرها، أو يموت و لا يكون خلف منه، فيذهبرسم تلك الصّنائع جملة، كما يذهبالنّقّاشون و الصّوّاغ (1) و الكتّاب والنّسّاخ و أمثالهم من الصّنائع (2) لحاجاتالتّرف.
و لا تزال الصّناعات في التّناقص إلى أنتضمحلّ. و الله الخلّاق العليم و سبحانه وتعالى.
و السّبب في ذلك أنّهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضريّ، و ما يدعو إليهمن الصّنائع و غيرها. و العجم من أهلالمشرق و أمم النّصرانيّة عدوة البحرالرّوميّ أقوم النّاس عليها، لأنّهم أعرقفي العمران الحضريّ و أبعد عن البدو وعمرانه. حتّى إنّ الإبل الّتي أعانت العربعلى التّوحّش في القفر، و الإعراق فيالبدو، مفقودة لديهم بالجملة، و مفقودةمراعيها، و الرّمال المهيّئة لنتاجها.
و لهذا نجد أوطان العرب و ما ملكوه فيالإسلام قليل الصّنائع بالجملة، حتّىتجلب إليه من قطر آخر. و انظر بلاد العجم منالصّين و الهند و أرض التّرك و أمم
(1) و في نسخة الصواغون. (2) و في نسخة أخرى: الصنّاع.