تاریخ ابن خلدون

عبدالرحمان بن محمد ابن خلدون

جلد 1 -صفحه : 839/ 519
نمايش فراداده

الفصال (1) لم يتمّ بقاؤه أصلا. و وجودالصّنائع دون الفكر ممتنع لأنّها ثمرته وتابعة له. و تكلّف ابن سينا في الرّدّ علىهذا الرّأي لمخالفته إيّاه و ذهابه إلىإمكان انقطاع الأنواع و خراب عالمالتّكوين ثمّ عوده ثانيا لاقتضاءاتفلكيّة و أوضاع غريبة تنذر في الأحقاببزعمه فتقتضي تخمير طينة مناسبة لمزاجهبحرارة مناسبة فيتمّ كونه إنسانا ثمّيقيّض له حيوان يخلق فيه إلهاما لتربيته والحنوّ عليه إلى أن يتمّ وجوده و فصاله. وأطنب في بيان ذلك في الرّسالة الّتيسمّاها رسالة حيّ بن يقظان. و هذاالاستدلال غير صحيح و إن كنّا نوافقه علىانقطاع الأنواع لكن من غير ما استدلّ به.فإنّ دليله مبنيّ على إسناد الأفعال إلىالعلّة الموجبة. و دليل القول بالفاعلالمختار يردّ عليه و لا واسطة على القولبالفاعل المختار بين الأفعال و القدرةالقديمة و لا حاجة إلى هذا التّكلّف. ثمّلو سلّمناه جدلا فغاية ما يبنى عليهاطّراد وجود هذا الشّخص بخلق الإلهاملترتيبه في الحيوان الأعجم. و ما الضّرورةالدّاعية لذلك؟ و إذا كان الإلهام يخلق فيالحيوان الأعجم فما المانع من خلقهللمولود نفسه كما قرّرناه أوّلا. و خلقالإلهام في شخص لمصالح نفسه أقرب من خلقهفيه لمصالح غيره فكلا المذهبين شاهدان علىأنفسهما بالبطلان في مناحيهما لما قرّرتهلك و الله تعالى أعلم.

الفصل التاسع و العشرون في صناعة الطب وانها محتاج إليها في الحواضر و الأمصاردون البادية

هذه الصّناعة ضروريّة في المدن و الأمصارلما عرف من فائدتها فإنّ ثمرتها حفظالصّحّة للأصحّاء و دفع المرض عن المرضىبالمداواة حتّى يحصل لهم البرء منأمراضهم. و اعلم أنّ أصل الأمراض كلّهاإنّما هو من الأغذية كما قال صلّى اللهعليه وسلّم في الحديث الجامع للطّبّ و هوقوله: «المعدة بيت الدّاء و الحمية

(1) و في النسخة الباريسية: الانفصال.