تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
رأس الدّواء و أصل كلّ داء البردة» فأمّاقوله المعدة بيت الدّاء فهو ظاهر و أمّاقوله الحمية راس الدّواء فالحمية الجوع وهو الاحتماء من الطّعام. و المعنى أنّالجوع هو الدّواء العظيم الّذي هو أصلالأدوية و أمّا قوله أصل كلّ داء البردة(1)» فمعنى البردة إدخال الطّعام علىالطّعام في المعدة قبل أن يتمّ هضم الأوّل.و شرح هذا أنّ الله سبحانه خلق الإنسان وحفظ حياته بالغذاء يستعمله بالأكل و ينفذفيه القوى الهاضمة و الغاذية إلى أن يصيردما ملائما لأجزاء البدن من اللّحم والعظم، ثمّ تأخذه النّامية فينقلب لحما وعظما. و معنى الهضم طبخ الغذاء بالحرارةالغريزيّة طورا بعد طور حتّى يصير جزءابالفعل من البدن و تفسيره أنّ الغذاء إذاحصل في الفم و لاكته الأشداق أثّرت فيهحرارة الفم طبخا يسيرا و قلبت مزاجه بعضالشّيء، كما تراه في اللّقمة إذاتناولتها طعاما ثمّ أجدتها مضغا فترىمزاجها غير مزاج الطّعام ثمّ يحصل فيالمعدة فتطبخه حرارة المعدة إلى أن يصيركيموسا و هو صفو ذلك المطبوخ و ترسله إلىالكبد و ترسل ما رسب منه في المعى ثقلاينفذ إلى المخرجين. ثمّ تطبخ حرارة الكبدذلك الكيموس إلى أن يصير دما عبيطا (2) وتطفو عليه رغوة من الطّبخ هي الصّفراء. وترسب منه أجزاء يابسة هي السّوداء و يقصرالحارّ الغريزيّ بعض الشّيء عن طبخالغليظ منه فهو البلغم. ثمّ ترسلها الكبدكلّها في العروق و الجداول، و يأخذها طبخالحال (3) الغريزيّ هناك فيكون عن الدّمالخالص بخار حارّ رطب يمدّ الرّوحالحيوانيّ و تأخذ النّامية مأخذها فيالدّم فيكون لحما ثمّ غليظة عظاما. ثمّيرسل البدن ما يفضل عن حاجاته من ذلك فضلاتمختلفة من العرق و اللّعاب و المخاط والدّمع. هذه صورة الغذاء و خروجه من القوّةإلى الفعل لحما. ثمّ إنّ أصل الأمراض ومعظمها هي الحميّات.و سببها أنّ الحارّ الغريزيّ قد يضعف عنتمام (4) النّضج في طبخه في كلّ طور من