محسّنات الكلام و مزيّناته، فهي بمثابةالخيلان في الوجه يحسن بالواحد و الاثنينمنها، و يقبح بتعدادها. و على نسبة الكلامالمنظوم هو الكلام المنثور في الجاهليّة والإسلام. كان أوّلا مرسلا معتبر الموازنةبين جمله و تراكيبه، شاهدة موازنتهبفواصله، من غير التزام سجع و لا اكتراثبصنعة. حتّى نبغ إبراهيم بن هلال الصابيكاتب بني بويه، فتعاطى الصنعة و التّقفيةو أتى بذلك بالعجب.
و عاب النّاس عليه كلفه بذلك في المخاطباتالسلطانيّة. و إنّما حمله عليه ما كان فيملوكه من العجمة و البعد عن صولة الخلافةالمنفقة لسوق البلاغة. ثمّ انتشرت الصناعةبعده في منثور المتأخّرين و نسي عهدالترسيل و تشابهت السلطانيّات والإخوانيّات و العربيّات بالسوقيّات. واختلط المرعيّ بالهمل. و هذا كلّه يدلّكعلى أنّ الكلام المصنوع بالمعاناة والتكليف، قاصر عن الكلام المطبوع، لقلّةالاكتراث فيه بأصل البلاغة، و الحاكم فيذلك الذّوق. و الله خلقكم و علّمكم ما لمتكونوا تعلمون.
اعلم أنّ الشّعر كان ديوانا للعرب فيهعلومهم و أخبارهم و حكمهم. و كان رؤساءالعرب منافسين (1) فيه و كانوا يقفون بسوقعكاظ لإنشاده و عرض كلّ واحد منهم ديباجتهعلى فحول الشّأن و أهل البصر لتمييز حوله.حتّى انتهوا إلى المناغاة في تعليقأشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجّهم وبيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابنحجر و النّابغة الذّبيانيّ و زهير بن أبيسلمى و عنترة بن شدّاد و طرفة بن العبد وعلقمة بن عبدة و الأعشى و غيرهم من أصحابالمعلّقات السّبع (2). فإنّه إنّما كانيتوصّل إلى تعليق الشّعر بها من كان لهقدرة
(1) و في نسخة أخرى: متنافسين. (2) و في النسخة الباريسية: التسع.