تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
على ذلك بقومه و عصبيّته و مكانه في مضرعلى ما قيل في سبب تسميتها بالمعلّقات. ثمّانصرف العرب عن ذلك أوّل الإسلام بماشغلهم من أمر الدّين و النّبوة و الوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن و نظمه فأخرسواعن ذلك و سكتوا عن الخوض في النّظم والنّثر زمانا. ثمّ استقرّ ذلك و أونسالرّشد من الملّة. و لم ينزل الوحي فيتحريم الشّعر و حظره و سمعه النّبيّ صلّىالله عليه وسلّم و أثاب عليه، فرجعواحينئذ إلى ديدنهم منه. و كان لعمر بن أبيربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيهعالية و طبقة مرتفعة و كان كثيرا ما يعرضشعره على ابن عبّاس فيقف لاستماعه معجبابه. ثمّ جاء من بعد ذلك الملك الفحل والدّولة العزيزة و تقرّب إليهم العرببأشعارهم يمتدحونهم بها. و يجيزهم الخلفاءبأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهمو مكانهم من قومهم و يحرصون على استهداءأشعارهم يطّلعون منها على الآثار والأخبار و اللّغة و شرف اللّسان. و العربيطالبون ولدهم بحفظها. و لم يزل هذا الشّأنأيّام بني أميّة و صدرا من دولة بنيالعبّاس. و انظر ما نقله صاحب العقد فيمسامرة الرّشيد للأصمعيّ في باب الشّعر والشّعراء تجد ما كان عليه الرّشيد منالمعرفة بذلك و الرّسوخ فيه و العنايةبانتحاله و التّبصّر بجيّد الكلام و رديئهو كثرة محفوظه منه. ثمّ جاء خلق من بعدهم لميكن اللّسان لسانهم من أجل العجمة وتقصيرها باللّسان و إنّما تعلّموه صناعةثمّ مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الّذينليس اللّسان لهم طالبين معروفهم فقط لاسوى ذلك من الأغراض كما فعله حبيب والبحتريّ و المتنبّي و ابن هانئ و من بعدهمو هلمّ جرّا. فصار غرض الشّعر في الغالبإنّما هو الكذب (1) و الاستجداء لذهابالمنافع الّتي كانت فيه للأوّلين كماذكرناه آنفا. و أنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتأخّرين و تغيّر الحال وأصبح تعاطيه هجنة في الرّئاسة و مذمّةلأهل المناصب الكبيرة. و الله مقلّباللّيل و النّهار.