و أمّا أهل الأندلس فلمّا كثر الشّعر فيقطرهم و تهذّبت مناحيه و فنونه و بلغالتّنميق فيه الغاية استحدث المتأخّرونمنهم فنّا منه سمّوه بالموشّح ينظمونهأسماطا أسماطا و أغصانا أغصانا يكثرون منأعاريضها المختلفة. و يسمّون المتعدّدمنها بيتا واحدا و يلتزمون عند قوافي تلكالأغصان و أوزانها متتاليا فيما بعد إلىآخر القطعة و أكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعةأبيات. و يشتمل كلّ بيت على أغصان عددهابحسب الأغراض و المذاهب و ينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد. و تجاروا فيذلك إلى الغاية و استظرفه النّاس جملةالخاصّة و الكافّة لسهولة تناوله و قربطريقه. و كان المخترع لها بجزيرة الأندلسمقدّم بن معافر الفريريّ (1) من شعراءالأمير عبد الله بن محمّد المروانيّ. و أخذذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربّهصاحب كتاب العقد و لم يظهر لهما معالمتأخّرين ذكر و كسدت موشّحاتهما. فكانأوّل من برع في هذا الشّأن عبادة القزّازشاعر المعتصم ابن صمادح صاحب المرية. و قدذكر الأعلم البطليوسيّ أنّه سمع أبا بكربن زهير يقول: كلّ الوشّاحين عيال علىعبّادة القزّاز فيما اتّفق له من قوله: (2)
و زعموا أنّه لم يسبقه وشّاح من معاصريهالّذين كانوا في زمن الطّوائف.
و ذكر غير واحد من المشايخ أنّ أهل هذاالشّأن بالأندلس يذكرون أنّ
(1) و في نسخة أخرى: القبريري. (2) الضمير يعود إلى عبادة.