تاریخ ابن خلدون

عبدالرحمان بن محمد ابن خلدون

جلد 2 -صفحه : 613/ 159
نمايش فراداده

«178»

خلق العالم و إنما قال هو كلمة الله التيبها خلق كما وقع في الإنجيل. فقال أثناسبطرك الاسكندرية: و هذا الكلام أيضا يقتضيأنّ الابن مخلوق و أنه خلق المخلوقات دونالأب لأنه إذا كان يخلق به فالأب لم يخلقشيئا لأنه مستعين بغيره و الفاعل بغيرهمحتاج إلى ذلك المتمّم فهو في ذاته الخالقو الله سبحانه منزّه عن ذلك و إن زعم أريوسان الأب يريد الشي‏ء و الابن يكونه فقدجعل فعل الابن أتمّ لأنّ الأب إنما لهالارادة فقط و للابن الاختراع فهو أتم.

فلما ظهر بطلان مقالة أريوس وثبوا علىأومانيوس المناظر عن مقالة أريوس و ضربوهضربا وجيعا، و خلصه ابن أخت الملك، ثمقدّسوا الكنائس، و انفضّ الجمع و بلغالخبر إلى قسطنطين فندم على بطركيةأوسانيوس بالقسطنطينية و غضب عليه و ماتلسنتين من رياسته، و اجتمع بعد ذلك أصحابأريوس إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة،و أنّ جماعة نيقية ظلموا أريوس و بغوا عليهو صدّوا عن الحق في قولهم إنّ الأب مساوللابن في الجوهرية و كاد الملك أن يقبلمنهم. فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدسيحذره من مقالة أريوس فقبل و رجع. و اختلفحال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الأخذبالأمانة أو بمقالة أريوس، و ظهور إحدىالطائفتين متى كان الملك على دينهم. و أفحشبعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه،فقال له بعض العلماء و الحكماء: لا تنكرالمخالفة فالحنفاء يختلفون أيضا و إنما همالخلق يحمدون الله و يصفونه بالصفاتالكثيرة و الله يحب ذلك. فسكن بعض الشي‏ء وكان بعضهم يعرض عن الطائفتين و يخلي كل أحدو دينه.

ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعدمجمع نيقية بمائتين و خمسين سنة اجتمعواللنظر في مقالة مقدونيوس و سليوس، بأن جسدالمسيح بغيرنا موت و أنّ اللاهوت أغناهعنها، مستدلين بما وقع في الإنجيل أنّالكلمة صار لحما و لم يقل صار إنسانا، وجعلا من الإله عظيما و أعظم منه و الأبأفضل عظما. و قال: إن الأب غير محدود فيالقوّة و في الجوهر. فأبطلوا هذه المقالة ولعنوهما و أشادوا بكفرهما و زادوا فيالأمانة التي قرّرها جماعة نيقية ما نصه:«و نؤمن بروح القدس المنتقى من الأب». ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الأمانة أوينقص منها.

ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمعالثالث على نسطوريوس البطرك بالقسطنطينيةلأنه كان يقول: إنّ مريم لم تلد إلها و إنماولدت إنسانا، و إنما اتحد به في المشيئة لافي الذات و ليس هو إلها حقيقية بل بالموهبةو الكرامة. و يقول بجوهرين‏