یوجین یونسکو

کلود ابستادو ؛ مترجم: قیـس خضور

نسخه متنی -صفحه : 131/ 61
نمايش فراداده

على طريقة..

استوحى يونسكو مسرحيته من موليير وجيرودو. يؤكد ذلك العنوان والموسيقى التي اختيرت من مقطوعات من القرن السابع عشر، وأزياء الدكاترة، وبعض المؤثرات المسرحية مثل محاكاة دون جوان والفلاحين:

- بارتولوميوس الثاني (مشيراً إلى اللافتة): ب.. يعني بريخت بالتأكيد.

- بارتولوميوس الثالث: ... ب هذا يعني برنشتاين بالتأكيد

- بارتولوميوس الأول (إلى الاثنين): كلاكما على حق.

- بارتولوميوس الثاني (إلى بارتولوميوس الثالث): سبق أن قلت لك ذلك..

- بارتولوميوس الثالث (إلى بارتولوميوس الثاني): سبق أن قلت ذلك ذلك..

- بارتولوميوس الأول (إلى الثاني): فيما بيننا، هذا يعني عصر بريخت وليس برنشتاين (إلى الثالث) فيما بيننا، هذا يعني عصر برنشتاين، برنشتاين بعد التحسين، بعد أن طُبع بطابع العصر، بعد تجاوز عيوبه..

- بارتولوميوس الثالث (إلى الأول): ماذا تعني؟

- بارتولوميوس الأول (إلى الثالث): برنشتاين على كل حال، برنشتاين على كل حال، فاهدأ..

نعثر من جديد على بناء مسرحية فرساي و مسرحية باريس؛ فمسرحية يونسكو التي تعالج قضايا المسرح، تعرض علينا يونسكو وهو يكتب مسرحية حرباء الراعي(1) وبطلها هو يونسكو، يكتب مسرحية عن المسرح.

موضوع مسرحية الما - مشاكل المسرح - مجموعة من الأفكار النظرية وليس تطبيق تلك الأفكار، ولكي تصل تلك الأفكار إلى الجمهور، أي لكي تتحول إلى أفكار مسرحية، كان لابد من مواجهتها مع بعضها، فالمسرحية مبنية إذن على صراع ثلاثي الوجوه.

هناك أولاً صراع المؤلف مع النقاد.. النقاد متضامنون في مواجهة فريسة تحاول الهرب، تحاول الوصول إلى الباب كل لحظة.. ها هم يمسكونها من جديد، يثبتونها، يوبخونها، يرشدونها إلى طريق الصواب، يكسونها، يستثمرونها.

في مواجهة الدكاترة الثلاثة هناك ماري التي تمثل الحس الشعبي السليم، حجتها الدامغة هي المكنسة، كما أن تدخلها يحيل المسرحية إلى مسرح عرائس.

لكن هناك صراع أكثر حساسية بين النقاد الثلاثة: الناقدان الأول والثاني يؤيدان النقد العلمي يؤيدان المسرح الملتزم لكن أحدهما وجودي ينتسب إلى سارتر، والآخر يقول بمذهب الماهية(2) يقدس ماركس ويعيش في عصر بريختي. أمّا الناقد الثالث فإنه يدافع عن مسرح البولفار مسرح التسلية وينتمي إلى بيرنشتاين، ويمتدح بلاهة الجمهور، إنه بليد، يكرر باستمرار: - أنا لا أفهم - جاهل. موليير، هل تعرفانه؟ متعصب. النقاد الثلاثة شخصيات رمزية فربما ظن البعض أنه يرى من خلال شخصيات بارتولوميوس الأول والثاني والثالث، برنادور، رولان بارت، جان - جاك غوتييه.

كلام متحذلق.

في خصام العقائد، تدور اللعبة في المفاهيم، لكن تفجّر العنصر الهزلي في المفردات يسمح بالسخرية من الأفكار، ومن أجل ذلك يكفي استخدام اصطلاحات ايديولوجية ما، ورصف تعابيرها التقنية حتى يتلاشى مضمونها اللغوي ولا يبقى منها سوى الجرس المتنافر للأصوات المتكدسة فوق بعضها وبعض الأسماء الضائعة بين السطور، من اسم فيلسوف إلى اسم ناقد، من سارتر إلى بارت:

-.. وبطريقة جدلية، هذا يعني الوجود في داخل الشيء وخارجه في الوقت نفسه، كما أنه يعني أيضاً وجود اللاموجود، ولا موجود الوجود في وقت واحد.

- للحصول على تفسير أسمى للمسرحية.

- يمكن أن يكون خلاصة كل التفاسير المتعاقبة المتناقضة..

- .. للوصول إلى فهم بسيط، معقد، متعدد، وحيد.

على منوال المجلات التقنية يتم خلق كلمات جديدة لها نفس الإيقاع والتركيب: فن الملابس (كوستمودية) وعلم الديكور (ديكورولوجيه) وعلم نفس المشاهدين (سبكتاكو سيكولوجية)، كما يتم اختراع تناقضات وتفاهات من خلال صياغة فكرة بطريقة قسرية أو من خلال تزييفها:

- لأن المؤلفات في حد ذاتها..

- لا وجود لها..

- إنها تكمن في رأينا فيها..

- وما نقوله عنها..

- وفي التفسير الذي نتفضل بإعطائه لها..

- التفسير الذي نفرضه عليها..

- الذي نفرضه على الجمهور..

تنشأ القوة الهزلية في لعبة المفردات هذه - وحيلتها الجدلية - من خليط الاثباتات الواقعية والاثباتات المخترعة. لقد اقتبس يونسكو حقاً بعض أقوال الدكاترة من كتابات منتقديه وخلطها مع حقائق مجنونه بحيث تؤكد صحة البعض خطأ البعض الآخر، ويصبح كلام الشخصيات كله مثيراً للضحك.

يمكن أن نرى أيضاً عنصر الإضحاك في اللغة من خلال الأسلوب شبه العلمي الذي يخفي بديهيات، وهكذا يعرّف الدكاترة علم الملابس (كوستمولوجيه) بأنه علم الملاءمة بين جوهر الشخصية وظاهرها فتوضّح ماري ذلك: ولذلك.. كتبت أنت مسرحية.. من بين أبطالها رجل إطفاء [..] ووضعت على رأسه خوذة رجال المطافىء انتبه لذلك، ولم تضع على رأسه طرحة عروس!.

هذه الأساليب تحطّم الايديولوجية التي يدور عنها الحديث، كما يحطم جمود التصورات التفكير الحي. يتناول يونسكو بعض الأفكار، يضع منها كليشهات، ثم يجعل هذه الكليشهات تتشنج وتكشّر.

تقوم اللغة الموضوع بدور الاكسسوار فتارة تدعم حركة الاضحاك المتنامية عند إحدى الشخصيات، إذ أن المفردات، بعد أن فقدت معناها، لا تترك من المقاطع الطويلة في المسرحية سوى سلسلة متتابعة من الأصوات ترافق الحركات الإيمائية، وتارة تصبح الكلمات كرات يتفاذفها الدكاترة بسرعة متزايدة.