یوجین یونسکو

کلود ابستادو ؛ مترجم: قیـس خضور

نسخه متنی -صفحه : 131/ 88
نمايش فراداده

تقنيــــة طيّعــــــة

شخصيات مسرحية العطش والجوع من تلك الشخصيات التي تظهر في الأحلام: ماهي إلاّ انعكاس إحساس الحالم. سمة واحدة تحدّد كلاً منها، تصوّر تلك الشخصيات رغبة ما أو عقبة محدّدة. تخلق حول جان جوّاً من الصراع، ولا وجود لها إلاّ لتيسّر له تحقيق قدره كما يراه في الحلم.

ماري -مادلين هي التورّط والإنزلاق الذي ينتزع جان نفسه منه، أمّا حارسا المتحف-السجن فهما الجمود الذي يقابل التجوال. يؤدي تريب وبريختول لعبة الإنكار التي تتحوّل إلى استسلام جان. يفضح الأخ تاراباس، المحقق الجلاد والمحلل النفساني، الأفكار الدفينة التي يؤمن بها جان.

يمثّل الأسلوب المتطور عودة إلى التقاليد الأدبية، عودة إلى كتابة دقيقة ومحكمة. في الحقيقة، تخضع اللغة إلى تراكيب فكر الأحلام، لكن الصور، من حيث الشكل والمضمون، صور معقّدة غنيّة جداً بالمعاني، أكثر مما هي نقل مباشر للحلم، كما رأينا في مسرحيتي ضحايا الواجب و اميديه.. المفردات والإستعارات، وبناء الجملة تضاعف المفاهيم وتخلق تعابير شعرية: من ظلال الماضي، اصنعْ ليلاً مريحاً، الحاضر شمس إذا أردت، والمستقبل سماء لا زوردية[...] اجعلْ من الفشل استراحة واسترخاء، ومنذ الصباح، تمنّى المساء الذي ينشر السكينة: سوف يأتي.. في الليل، احلمْ بمهرجان الفجر...؛ عينان من ضباب... نظرة عميقة ضاحكة جاهزة غائبة، لونها بلون الأحلام، نظرة لطيفة مثل مياه نهر فاتر في عزّ الصيف....

تترجم اللغة جميع أشكال الحلم عند جان. لغة شعرية عندما تعبّر عن الرعب والجمال، مفككة عندما يستعصي الحلم على اتخاذ الأشكال المتعارف عليها. نجد، آنذاك، كما وجدنا في حكاية شوبير، مختلف مظاهر العبث: التعداد الفوضوي الذي لا نهاية له، وتجميعات إيحائية مجازية أو صوتية: رأيت أعمدة من الخشب، أعمدة ملهى ليلي، نعم، أعمدة كنيسة، أعمدة بيوت، أعمدة أعمدة....” عندما يجمد الحلم في نهاية المسرحية تتخلّع اللغة في إلقاء رتيب لأرقام يرددها الأخ المحاسب وترددها خلفه جوقة الرهبان: ... واحد، سبعة، ثلاثة، ستة، تسعة، ثمانية، واحد، سبعة، ثلاثة، ستة، تسعة، ثمانية، واحد...

مع ذلك، نشعر ببعض ملامح الفكر الواعي في سخرية بعض المقاطع: يهاجم يونسكو الإيديولوجيات ويستهزيء بها من خلال الإفراط في استخدام اصطلاحاتها: الإستلاب، التقويم، الصدمة النفسية، قابلية التعب، التشكّل التدريجي المشوّه...

الديكور والإخراج يوحيان أيضاً بعالم الحلم: تتميّز الحلقة الأولى بالهلوسات، كظهور العمة اديلاييد، والمرأة في ألسنة اللهب.

أمّا ديكور الحلقة الثانية فإنه غير واقعي، وفي الحلقة الثالثة غامض وملتبس؛ فلا يدري المشاهد حقيقة النزل، هل هو دير أم سجن أم مشفى أم مدرسة... تعبّر الأنوار والظلال عن الخوف من الغوص وعن غبطة اليقين.. المشاهد التي يشارك فيها جان تبدّل شخصيته، ففي نهاية الحلقة الأولى، يذوب في الأشياء، وفي الحلقة الثالثة يكون الخبز والخمر، عندما يقول للأخ تاراباس، دون أن يتوقّف عن تناول الطعام: إنني أعاني من فراغات في الذاكرة منذ زمن بعيد وفي المشهد الأخير تكون الحركة الآلية كافية لفرض صورة الكابوس.