مغزى مسرحية العطش والجوع واضح من العنوان. تصّور مشاهد المسرحية المتنوّعة، أو ترمز، إلى شتى أشكال العطش والجوع. شهيّة الحارسين هي التي تشمّ رائحة الحساء وفي فمهما طعم الخمر؛ أمّا الجوع الذي يعاني منه تريب وبريختول فهو العذاب الذي يذلّ، إنه جوع جان عندما يصل إلى النزل؛ إنه الجوع الناتج عن مجموعة من الرغبات؛ إنه الحب المجنون؛ إنه الأمل الذي يفوق العالم اتساعاً ورحابة؛ إنه البحث الذي لا يرتوي عن المطلق. انطلق يونسكو في هذه المسرحية من تجربة وجودية، تجربة الغيبوبة العابرة؛ لكن ليس الهدف منها العثور على الدوافع البدائية كما رأينا في مسرحيات جاك ضحايا الواجب اميديه. من خلال المعاناة الدائمة للعطش والجوع يشعر جان بغياب من نوع آخر. يذكرّنا بحثه بالتدريبات التي كان يمارسها الصوفيون. إنه يرفض كلّ أسباب الذلّ والإنحطاط: يرفض التشفّي، يرفض الإمتلاك الذي يذل. إنه يبحث عن موضوع رغباته خارج حدود الزمن والموت. المرأة التي يحلم بها جميلة كالأرض الموعودة. ماري- مادلين، التي استعادت شبابها، نجت من السقوط والموت، وفي النهاية يقوده بحثه إلى أسفل السلّم الفضي. تحاول المسرحية إذن أن تكشف معنى وهدف الحياة. من مسرحية الإمتثال إلى مسرحية العطش والجوع اقتفى يونسكو خطّ السير الذي كان قد حدّده في كتاب يوميات في فتات: يمثّل الاستكشاف الحاسم للقلب الإنساني بداية الطريق في حياة الإنسان، لكنّ هذا الاستكشاف لا يكون حاسماً إلاّ إذا أدّى حقاً إلى بداية الطريق، إذ أن هناك استكشاف عقيم لا يؤدي إلاّ إلى تعذيب الذات، إلى اليأس، إلى إرباك وتشويش أكثر تعقيداً [...] يجب على كل امرئ أن يجد طريقه بنفسه (ص95). تتحدث مسرحية العطش والجوع عن تجربة عدم الرضى دون أن تشير إلى الطريق لكنها تشير، مع ذلك، إلى تأملات من مستوى الوجد. الحقيقة والكمال لا تتحققان إلا من خلال زواج السماء والأرض [...] يجب أن تصعد الأرض إلى السماء، كما كتب يونسكو، فهل يمثّل السلّم الفضي طريق هذا الارتقاء؟.