ضحايا الواجب - یوجین یونسکو نسخه متنی

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

یوجین یونسکو - نسخه متنی

کلود ابستادو ؛ مترجم: قیـس خضور

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ضحايا الواجب

بينما كانت تسيلا شيلتون - بهلوان المنصة كما قال عنها يونسكو - وبول شوفالييه يرتبان كراسي لا يجلس عليها أحد، أمام صالة خالية من المشاهدين، كان يونسكو يكتب مسرحية ضحايا الواجب. عُرضت المسرحية في شباط 1953 على مسرح الحي اللاتيني من إخراج جاك موكلير.

شبه دراما كما يقول العنوان الثانوي، لكن المسرحية تتضمن عقدة، بل عقدة بوليسية، إضافة إلى العقدة البوليسية، يشرح شوبير لمادلين أن المسرح كله، منذ الإغريق حتى أيامنا، لم يكن إلا مسرحاً بوليسياً. هناك دائماً عقدة تُحلّ، والمسرح كله عبارة عن دراما أو شبه دراما.

تبدأ ضحايا الواجب كما بدأت المغنية الصلعاء: مادلين ترتق جوارب عتيقة وشوبير يقرأ جريدة ويعلّق على احتياطات نظام التقشف التي اتخذتها إدارة المدن الكبرى لعلاج الأزمة الاقتصادية، والخلل النفسي، ومضايقات الحياة.

الباب يُقرع، يظهر في إطار الباب شاب خجول يتأبط حقيبة، اعتذر وقد ظهر عليه الارتباك لأنه سبب بعض الإزعاج. لقد بحث عن حارسة البناية من أجل معلومة بسيطة لكنه لم يجدها في غرفتها.. وجدته مادلين لطيفاً مؤدباً فأدخلته وعرضت عليه خدماتها، سأل الشاب - وهو مفتش بوليس - بخجل:

- الشرطي إلى شوبير: [..] أنا آسف لأنني أضعتُ وقتك، أريد فقط أن أعرف إن كان المستأجرون الذين كانوا قبلكم هنا، هم آل مالوت، بحرف التاء، أما مالود، بحرف الدال، هذا كل ما أريد معرفته.

- شوبير (بلا تردد): مالوت، بحرف التاء.

- الشرطي (أكثر بروداً): هذا حقاً ما كنت أعتقده.

آنذاك يتقدم الشرطي في الغرفة دون كلام، يرمي حقيبته على الطاولة، يجلس على كرسي، يشعل سيجارة، ثم ينظر إلى مادلين وشوبير مباشرة:

- الشرطي: [..] لقد عرفت إذن آل مالوت؟

- شوبير: (مرتبكاً قليلاً): كلا، لم أعرفهم

- الشرطي: كيف عرفت إذن أن اسمهم ينتهي بحرف التاء؟

- شوبير (مندهشاً جداً): آه، فعلاً، هذا صحيح.. كيف عرفت؟ كيف عرفت؟.. لا أعرف كيف عرفت!

يبدأ الاستجواب حسب الأصول: انزعي ربطة عنقه يا سيدتي، ربما نزعجه، ستتحسن الحال بعد ذلك [..] الحزام أيضاً، ورباط الحذاء! يتحدث الشرطي - وقد صار سيادة المفتش العام - بصوت عنيف، حاسم، ويطلب فنجاناً من القهوة مع اثنتي عشرة قطعة من السكر، وقدحاً كبيراً من عصير التفاح. يخاطب مادلين بصيغة المفرد ويصبح فظاً، سوقياً مع زبونته. غيّر مكان كرسيه، وراح يدور حول شوبير، ثم أخرج صورة من جيبه: حاول أن تنشط ذاكرتك، انظر إلى الصورة، أهذا هو مالوت حقاً؟” بذل شوبير جهوداً كبيرة واسترجع ذكريات: زواجه، القطعة العسكرية، المدرسة، بيت طفولته، صور أخرى.. لكنه لم يتذكر مالوت. لقد غاص، مغمض العينين، في الماضي. انزعج الشرطي، وساعدت مادلين في استمرار التحقيق.

بدّلت فستانها القاتم، ولم يعد صوتها جافاً. إنها شابة، تضمّ شوبير بفتور، وتهمس له أوامر الشرطي، وقد أيقظت نداء الرغبة، لا تصلب ساقيك! انتبه، لاتنزلق! الدرجات مبللة.. امسكْ الدرابزين جيداً.. انزل.. انزل.. إذا كنت تريدني!...

يمدّ لها شوبير ذراعه ويغوص في ظلمة تزداد كثافة، والوحل يعلق بحذائه، قدماه ثقيلتان.

يغوص شوبير في المستنقع. يبلغ الوحل الركبتين، الذقن، الفم، ما عدنا نسمعه: لقد تجاوز جدار الصوت. تابع الغوص، ما عدنا نرى سوى الأنف، وأذناً واحدة. مادلين تقوده: لا يزال شعرك ظاهراً.. انزلْ، ابسطْ ذراعيك في الوحل، افرشْ أصابعك، اسبحْ إلى الأعماق، يجب أن تصل إلى مالوت بأي ثمن.. انزلْ.. انزلْ..، اختفى عن الأنظار، لقد تجاوز جدار الرؤية.

الشرطي أيضاً يتحوّل. لقد صار عشيق مادلين، يتشاجران، تحاول الانتحار بالسم، يمسك ذراعها ليمنعها، وفجأة يجبرها على تناول السم، شوبير يتمتم: ..أبي، أمي، أبي، أمي.

شوبير عاد طفلاً، ومادلين صارت أمه. شوبير مراهق، الشرطي والده. يحاول الاثنان أن يجدا، خارج نطاق الخصام، كلمات الحب المتبادل. يطلب الولد الصفح من والده، يروي الأب قصة حب غبي لكنه أكثر اتساعاً من الكون.

ينقطع هذا المشهد المؤثر فجأة. يعود الشرطي إلى سوقيته وسخريته. يبدأ الاستجواب من جديد.. يجلس كل من مادلين والشرطي في مقعد، إنهما الآن في المسرح. شوبير يتابع طريقه عبر الزمن الذي صار فضاء ويصف كل ما يراه: صور تزداد رخاوة، يتكشف منظر ما، وبدايات كون، فوضى، وفوهة فاغرة. يسيطر عليه حنين مجهول، ومشاعر نقية، متعارضة: ..فرح.. ألم.. تمزّق.. اطمئنان.. غبطة.. فراغ.. ألم عظيم.. أشعر أنني قوي، أشعر أنني ضعيف، أشعر أنني مريض، أشعر أنني بخير، لكنني أشعر خاصة بنفسي، مازلت أشعر بنفسي.. ثم تلفه الظلمة، لقد نزل بعيداً جداً. أعاده الشرطي، وقد سيطر عليه القلق، إلى الطريق: يجب عليه أن يجد مالوت، مهما كلف الأمر.

يصعد شوبير من الأعماق، يرى مدناً: هونفلور، دييب، بيزا، برلين، نيويورك، يرى أنهاراً ووهاداً وغابات وجبالاً، ويبدأ يتسلق الجبل ببطء: يصعد على الكرسي، يصعد على الطاولة، ثم يضع الكرسي فوق الطاولة.. يرشده ضياء الشمس فيسير على درب وعر، يتشبث بالجذوع، والحصى، يتسلق حبواً على ركبتيه رغم العطش والحرارة. ثم يصبح الصعود سهلاً، وها هو شوبير يستنشق هواء خفيفاً، ويتحلل في النور، ويستمر في الصعود، سوف يفرّ، يطير عما قريب.. تخاف مادلين، إنها تخاف الوحدة، تبكي، تتوسل، تتحول إلى شحاذة، إلى امرأة هجرها زوجها مع أطفالها. الشرطي قلق أيضاً، يلجأ الاثنان إلى إثارة عواطف شوبير فيمتدحان مزاياه، ويتحدثان عن امتيازات وضع اجتماعي متميز:

- الشرطي: الوطن الذي شهد ولادتك بحاجة إليك.

- مادلين (لشوبير): أنالا أناضل إلا من أجلك.

- الشرطي: الحياة أمامك، المستقبل لك! ستكون غنياً، سعيداً، وغبياً، ستكون ذا رتبة عالية في بلاد الدانوب! ها هو قرار تعيينك! (إلى مادلين) طالما أنه لم يطر، لم نخسر شيئاً..

- مادلين: إليك الذهب، إليك الفواكه..

- الشرطي: سنقدم لك رؤوس أعدائك على طبق.

- مادلين: ستنتقم بطريقة سادية!

- الشرطي: سأجعل منك أسقفاً!

- مادلين: بل بابا!

بدلاً من أن يطير شوبير، يتهاوى في سلة كبيرة للأوراق. إنه ولدٌ صغير يُرفع منها بسحبه من أذنه؛ إنه طفل ماكر ينتهي به الحال إلى الاعتراف بأنه يعرف ألقاب مالوت كلها؛ إنه طفل هزيل يحتاج إلى ثقل إضافي ليلتصق بالواقع، كما بيّن الشرطي - الدكتور. من أجل تدعيمه وتقويته، من أجل سدّ فراغات ذاكرته، يخرج الشرطي من حقيبته قطعة خبز ضخمة: كُلْ!. يعترض شوبير، ثم ينفَّذ الأوامر وهو ينتحب؟ أمّا الشرطي فكان يردد! امضغْ.. ابلعْ.. ابلع بسرعة.. امضغْ.. بسرعة أكبر...

أثناء هذا المشهد تدخل سيدة، بصمت وعناد (تجلس في مقعد وتبدأ في أكل الفستق) ومعها نيكولادو، شاعر من أصدقاء شوبير، يعرض تصوّره عن المسرح الثوري. يظهر الاهتمام على الشرطي لكنه يعلن أنه منطقي بطريقة أرسطية، صادق مع نفسه، مخلص لواجبه، محترم لرؤسائه.. مادلين تأتي وتروح حاملة فناجين ترتبها على البوفيه بسرعة متزايدة. يقترب نيكولا من الشرطي، يهز سكيناً ضخمة، ويطعنه. يموت الشرطي وهو يهتف: عاش العرق الأبيض.. أريد وساماً بعد وفاتي.. إنني أموت ضحية الواجب..

يجب أن لا تذهب تضحية الشرطي هدراً. يأخذ مكانه مادلين ونيكولا، ويحاولان العثور على مالوت، ويقدمان لشوبير قطعاً من الخبز: هيا، كُلْ، لكي تسدّ فراغات ذاكرتك!. آنذاك يبدأ الجميع، وهم ضحايا الواجب، في مضغ الخبز أو الفستق وكل واحد يشجّع الآخر: امضغا، ابلعا، امضغا، ابلعا...

/ 131