يستعيد يونسكو هنا أفكاره عن المسرح، وموقف الكاتب، والنقد ثم يوضح تلك الأفكار كلها. يحدد يونسكو الإبداع الأدبي على أنه اعتراف وليس رواية أحداث من الحياة، إنه بوح لمغامرة صحيحة، تحليل نفسي بشكل عام: المسرح كما أراه عرض للعالم الداخلي، فمن حقي أن أجعل أحلامي ومخاوفي ورغباتي الغامضة وتناقضاتي الداخلية مادة مسرحي ومن حقي أيضاً عرضها على المسرح. يبرر هذه الرؤية عمومية اللاوعي: القلق، الأحلام، الرغبات، تشكل جزءاً من تراث السلف، مستودعاً قديماً جداً، إنها اللغة الإنسانية المشتركة كما أنها الأكثر شمولية للاتصال بين الناس ووحدة المشاعر فيما بينهم(1). من ناحية أخرى، وعلى نفس المنوال، يشرح يونسكو لبارتولوميوس الأول الآلية الدرامية في مسرح لا يعتمد على العقدة. لم يرو قصة حرباء الراعي لأنه لم يبدأ المسرحية بعد، أمّا وقد أنهاها فإن سرد الحكاية يصبح بلا فائدة. - أوه.. الموضوع؟ تسألني عن الموضوع؟.. العنوان؟.. أوه.. كما تعلم، أنا لا أعرف كيف أروي مسرحياتي.. كل شيء موجود في الحوار، والتمثيل والصور المسرحية.. صور تشدّ البصر - كما يحدث دائماً - صورة ما، أو عبارة ما تفجّر آلية الخلق عندي وبعد ذلك أسلم أمري إلى الشخصيات التي خلقتها دون أن أعرف وجهتي تماماً.. على مستوى شخصي أكثر، يحلل يونسكو ما يشعر به عندما يكتب، يلعن اكتشافه لعالم يكون هو أول المندهشين، كما يعبر عن نزوات الإلهام التي غالباً ما نستدعيها دون جدوى لكنها تهبط علينا عندما لا نكون بانتظارها. يتحدث عن خوفه من العمل الذي أنجزه، وعن الإحساس بانتهاك المقدسات، والرغبة في كتمان ما يجب الاعتراف به، والدهشة من الإحساس بأن الكتابة حدث خطير يُلزم الكائن كله، ورغم أن الفكاهة والضحك يحجبان الروح الشعرية، إلا أنها تظهر في لحظات البوح الكثيرة في مسرحية الما. تعبر المسرحية أخيراً عن العدواوة التي يكنها يونسكو لكل أنواع النقد، حتى لو كان إيجابياً. الدكاترة يتبجحون، يسنون القوانين، يحولون الحقائق الأولية إلى أحكام مطلقة، يحكمون على الإبداع بتسلط، يحرمون ويحللون. يعتقد يونسكو أن كل فكرة تصبح خطيرة، ويجب مناقشتها عندما تسلك مسلك العقيدة. لقد رفض يونسكو النقد الذي رأى فيه مظاهر الإرهاب وطالب بالحديث عن المؤلفات حسب قواعد وميثولوجيا المؤلف نفسه، يجب أن يكون النقد وصفياً لا معيارياً (الناقد يصف ولا يخطط وينصح). تسمح مسرحية الما بتحديد فكر يونسكو قبل خصامه مع كينث تينان(1) قبل النصوص النظرية التي كتبها أعوام 1958-1960، وخصوصاً قبل المسرحيات الناجحة التي بدأت مع سلسلة برانجيه.