مقاصد يونسكو سريالية، تاريخياً وفلسفياً. سار مسرحه على الخط الذي سارت عليه أبحاث جارّي، أبو للينير، فيتراك دينو. أما فنّه المسرحي فيعتمد على نظريات ارتو. نحن نعرف رأي بروتون في المغنية الصلعاء. ومن المناسب أن نشير، من منظور عريض، إلى تأثيرات فلوبير ودستويفسكي، وكافكا على يونسكو. أثناء بحثه عن الأصالة استهزأ يونسكو بالواقع السطحي الذي يراه، وسخر من الشخصية الاجتماعية، وهو القالب الجاهز الذي يدخل فيه كل فرد وينكمش. أدان التفكير والسلوك المقولبين اللذين يفصحان عن وجودهما من خلال الكليشهات اللغوية والتصرّفات الآلية. لقد رفض قوانين المنطق العقلي- أكثر السجون بغضاً ومقتاً، كما يقول بروتون- المنطق الكابح والمستبد عن طريق التربية والأسرة والمهنة والعلاقات ضمن المجموعة. لقد طرح من جديد مسألة منظومة القيم الذي يقوم مجتمعنا عليها. يرى يونسكو أن الشخصية الحقيقية، توجد في العمق. ومسرحه كله محاولة لاكتشاف اللاوعي باعتباره نبعاً للتفكير والعمل؛ وفي نفس الوقت على اعتباره الحقيقة السيكولوجية المشتركة بين جميع الأفراد. الحب، ذلك البحث اليائس عن الوحدة الضائعة الموت، وسواس، وجاذب لا يقاوم. الاندهاش من الحياة، كلها هواجس إنسانية، أساسية. الإنسان تحرّكه الغرائز الجنسية والميول الفطرية التي تطفو على هوامش الوعي وتكشف عن نفسها من خلال حركات مرسومة أو أقوال غير منسجمة. كلّ فرد منا هو الحلبة التي يتصارع عليها الحب والموت(إيروس كلمة يونانية تعني الحب، ناناتوس كلمة يونانية تعني الموت). صوّر يونسكو التمزّق والتناقض من حيث الظاهر إذ أن اللاوعي له قوانينه الخاصة به. هناك منطق للتناقضات، وحلٌّ لها. من أجل تغيير الحياة، ومن أجل أن يصبح العالم شاعرياً حقاً، من الأهمية بمكان أن نبحث في ديناميكية اللاوعي عن تجديد الوجود. لم يقل بروتون شيئاً آخر في البيانات السريالية وقد كتب عنه يونسكو بمناسبة وفاته:كان يعيش، ليس في التناقض بل في المفارقة. لقد كان هذا المنظّر اللاعقلاني، يوسّع العقل ويعمّقه ويزيده. وكانت اللامعقولية تظهر كأنها الوجه الخفي للعقل الذي كان باستطاعة الوعي اكتشافه والاندماج معه. هذا أيضاً مافعله يونسكو في مسرحياته. اكتشاف هذه الأعماق، هذه المناطق المظلمة من النفس مستوحى من التحليل النفسي، من طرائق فرويد أويونغ التي طبّقتْ على الأدب: وقد التقت، في هذا المجال، مع مناهج وتقنيات السرياليين. استخدم يونسكو الهفوات وزلاّت اللسان كمصدر للجانب الهزلي لكنّه استخدمها أيضاً ككاشف عن الأفكار الكامنة المكبوتة. لجأ يونسكو إلى التناقض في الحوارات والتصرّفات. لقد مارس الكلام الآلي والقصة الحلمية محطّماً بذلك قوقعة النحو ليقدّم منطقاً آخر وترابطاً مختلفاً للأفكار والصور، وليقدّم بنية أخرى للزمان والمكان. لقد نقل إلى اللغة أساليب التلصيق الكولاج فبعض المشاهد -التي تكشف أحياناً مغزى المسرحية- تستعيد بشيء من الدقة، أسلوب التمثيل النفساني. يظهر مسرح يونسكو، سواء من حيث تنفيذه أو من حيث مقاصده، كأنّه إكمال للفكر السريالي.