ولد أوجين يونسكو في بلدة سلاتيما في رومانيا، في 26 تشرين الثاني عام 1912(1). ينتمي إلى أصول فلاحية إلا أن جدّه هجر الأرض وصار والده محامياً وشغل مناصب هامة في القضاء والشرطة في فترة ما بين الحربين؛ أما والدته - تيريزا ايكار - فكانت فرنسية، وعندما أكمل عامه الأول قدم للإقامة في باريس حيث كان والده يتابع دراسة القانون. ترسم الذكريات المشوشة التي حفظها من طفولته الباكرة وأوردها في يومياته وفي كتابه عن المسرح صورة والده التي طمسها النسيان، ووجه أمه وصوتها، وأخته الصبية، وأخاه الصغير ميرشا الذي مات بالتهاب السحايا وهو في شهره الثامن عشر. يذكر يونسكو الأماكن التي سكنوا فيها على التوالي: ميزون _ إلفور، ثم باريس، شارع مدام، ثم شارع بلوميه وشارع تياتر، ثم ساحة فيوجيرار.. كنا نغيّر سكننا كثيراً. عام 1916 عاد والده إلى رومانيا فوجد نفسه مع أمه وأخته كنت صغيراً جداً واضطرت والدتي للعمل في مصنع لتطعمني(2). إنها الحرب، المدفعية الألمانية تقصف باريس: ذكريات النزهات الليلية، الخرائب، الأشباح التي تظهر بين شقوق الجدران(3). خالٌ،خالات، بعض أصدقاء أقاربه، بيت للأطفال قرب مودان حيث لقيت أخته العناية اللازمة؛ ثم نزلٌ في لونغ جيمو حيث أقام فترة من الزمن. ظلال منتزعة من الظلام. كانت السنوات الأولى تمثّل للطفل الاكتشاف الخطير للعالم، تمثّل زمن الدهشة والألم الذي لا ينمحي. كانت والدته تأخذه كثيراً إلى مسرح العرائس في حديقة اللوكسمبورغ: العرائس المضحكة التي تتكلم، تتحرك، تتقاتل. كانت الدمى تعرض صورة كاريكاتورية لحركات البالغين. كان يونسكو يبقى هناك ساعات طويلة، رصيناً صامتاً: كانت والدتي تقلق: هل مللت؟ - كلا لقد كنت مذهولاً.(3) لقد عرف الطفل الحزن أيضاً أمام وجه أمه الباكي لقد اكتشف حالة الموت: سألت أمي ذات يوم: هل سنموت جميعاً؟ أخبرتني الحقيقة! قالت لي نعم.كان عمري آنذاك أربع سنوات أو خمس. كنت جالساً على الأرض وكانت واقفة أمامي. إنني مازلت أراها. كانت تشبك يديها خلف ظهرها وهي مستندة على الجدار وعندما رأتني أنتحب - لأنني رحت أبكي فجأة - نظرت إليّ وهي عزلاء، عاجزة. لقد خفتُ خوفاً شديداً(4). يبدو أن والدته كانت السبب العميق لحزنه، لقد ولّد الخوف في أحلامه الطفولية صوراً لكوابيس استولت عليه في ليالٍ طويلة حتى عندما سكنوا في لاشابيل - أنتونيز: في أحلامي كانت الصور البشعة تشبه شخصيات بروغل أوبوش: أنوف ضخمة، أجسام مشوّهة، ابتسامات مخيفة، وأقدام متشعبة.(1).