حالات البوح في ضحايا الواجب واميديه واضحة جداً وتذهب بعيداً جداً أيضاً حتى أن يونسكو شعر، كما يبدو، بالحاجة إلى ترك مسافة بين كتبه وحياته وكتابة مسرح أقل صميمية. بعد شهر من كتابة اميديه، ألف، خلال ثلاثة أيام (14-16 أيلول 1953) مسرحية المستأجر الجديد التي استخدم فيها ظاهرة تكاثر الأشياء في حالتها الخالصة الصرفة. إلى غرفة عارية على المنصة الفارغة يصل سيد حاملاً حقيبته الصغيرة ثم يحضر حمالاً قطع الأثاث؛ يكدسان الأغراض العجيبة، يزحمان، يرصان، يكوّمان، يسدان النوافذ والأبواب. - ناقل الأثاث الأول: ليس هذا كل شيء، مازال هناك المزيد. - ناقل الأثاث الثاني: لقد امتلأ الدرج ولم يعد في الإمكان المرور. - السيد: لقد امتلأ الفناء أيضاً، والشارع كذلك. - ناقل الأثاث الأول: لم تعد السيارات تسير في المدينة، لقد امتلأت بالأثاث. - ناقل الأثاث الثاني: على الأقل، لا تشتكي أنت يا سيدي، فلديك مكان تجلس فيه. - ناقل الأثاث الأول؛ ربما كان على المترو أن يسير. - ناقل الأثاث الثاني: أوه، كلا - السيد: كلاّ، لقد سُدّت الأنفاق. - ناقل الأثاث الثاني: ما أكثر ما لديك من أثاث! إنك تربك البلد كله. - السيد: نهر السين لم يعد يجري، لقد سُدّ أيضاً وجفت فيه المياه. مازال الأثاث يدخل، من تلقاء نفسه، عبر الباب، ثم من السقف. السيد جالس على الأريكة، مطوّق، جامد، أغُلق السقف، ثم الباب وانطفأ النور. تراكمت قطع الأثاث على المسرح في الفصل الثاني من مسرحية اميديه لكنها لم تكن سوى اكسسوارات للديكور أما هنا فإنها تملأ الغرفة تماماً. إنها تزداد ضخامة ووصولها يتم على إيقاع معين. يحضر الحمالان مزهرية ثم كرسيين صغيرين جداً ثم مزهرية أخرى صغيرة يحملانها معاً ويبدو أن ثقلها يسحقهما. ثم يحضران طاولات وكراسي ولوحات وأكداساً من الكتب وأخيراً يحضران خزائن وصناديق وطاولات سفرة وسلّماً طويلاً.. من ناحية أخرى، تزداد سرعة ذهاب وإياب ناقلي الأثاث، ثم تصل الأغراض من تلقاء نفسها ويشكّل دخولها نوعاً من الباليه. تتوقف الحركة فجأة. يحمل أحد الناقلين باقة أزهار ويرميها من فوق الصناديق والخزائن إلى الداخل حيث يوجد المستأجر. تبرز الحركة في هذا الانتقال إلى المسكن الجديد، الواقعية في البداية الخيالية فيما بعد، الخلل في الآلية: تتم الحركة بشكل جيد، جيد بإفراط، ثم لا يبقى لها بداية ولا نهاية، وتصبح حركة مجنونة تفرض آليتها على الكائنات والعالم، وتبقى وحدها الموجودة. موضوع المسرحية صورة أخرى للغوص الذي عرضته ضحايا الواجب: إنه الاجتياح. الأغراض تتكاثر بلا نهاية وتغمر الإنسان في نهاية المطاف. إذا ما نظرنا إلى المسرحية من هذه الزاوية فإن المستأجر الجديد نقد لاذع لنوع جديد من العبودية، هو النزعة الاستهلاكية.