تمزج المسرحية العطش والجوع طبقات الوعي: التجربة النهارية، التأملات، الهلوسات، الحلم، تتداخل فيما بينها. حلم البيت الذي يغرق، ذكريات القبو المعتم الذي ماتت فيه والدة يونسكو، صورة إحدى خالاته، منظر المرأة وسط ألسنة اللهب. بدلاً من أن يجمع هذه العناصر على مستوى واحد من الوعي، فإن يونسكو يبرز الطبقات المختلفة. يعرض يونسكو العودة إلى البيت القديم وكأنها كابوس ممتدّ بفعل التجربة النهارية: هذا هو كابوسي. كابوس منذ زمن بعيد، منذ أن كنت طفلاً صغيراً. يحدث كثيراً أن أستيقظ صباحاً فأشعر بغصّة في حلقي، بعد أن أكون حلمت بهذه المساكن المخيفة الغارقة حتى منتصفها في الماء، ونصفها الآخر يكسوه التراب، المملوءة بالوحل!، أما المشهد الذي تظهر فيه العمة اديلاييد فهو حلم داخل الحلم، حضورها غير مادي كما أن جان يلاحظ أن الدم الذي يسيل من جراحها لا يشبه الدم العادي أبداً. في الحلقة الثانية، المرأة التي ينتظرها جان لا وجود لها إلاّ بالنسبة له، وفيه. إنها غياب حاضر. وفي الحلقة الثالثة، يمثّل تطور الحدث انتقالاً من الحلم الجميل إلى الكابوس: استقبال الأخ جان يلفّه الغموض، ويتحوّل حب الفضول عنده إلى تحقيق، كما تتحوّل ملهاة المهرجين إلى تمثيلية سادية وينتهي الحوار إلى تكرار آلي وكأنه حلم مكبوت. هذا النسيج الذي يشدّ الواقعي إلى غير الواقعي يلغي فكرة الزمن: تستغرق رحلة جان ستة عشر عاماً، بل عدة قرون، كما أن خدمته في النزل المريح تستمر إلى الأبد أو عدة ثوان فقط. ليست الحلقات الثلاث فصولاً متتابعة في الزمن، كما أن المنطق الذي تتمّ على أساسه ليس تسلسل الأحداث تاريخياً. تنتظم الصور مثل مجرّة في الفضاء، كما أن الذكريات التي حدثت منذ ألف عام والآمال البعيدة جداً تتحد وتتجمّع في الحاضر، وهذه الصور الأكثر تطوراً، أو الأكثر ترابطاً مما رأينا في ضحايا الواجب و اميديه هي أكثر غنى أيضاً بالمعاني والدلالات.