تعتمد مسرحية قاتل بلا أجر على قصة قصيرة نُشرت في المجلة الفرنسية الجديدة في الأول من تشرين الثاني عام 1955 تحت عنوان صورة الكولونيل. اقتصرت الحركة الدرامية في القصة على الإيحاء فقط، ولم يتجاوز الحوار البدايات، أما المسرحية، المبنية بشكل جيد، فإنها تكشف عن مقاصد يونسكو بشكل أفضل. تصور المشاهد المسرحية مواقف وطرقاً متنوعة لمواجهة الحياة، وتقدم سلسلة من الحالات الشعورية. تتألف المسرحية من ثلاث فصول يشكل كل منها لوحة مزدوجة لحالات شعورية متناقضة. تترجم بداية الفصل الأول الشعور بالغبطة، وعلى المسرح العاري توحي تغيرات الأضواء بعالم أجمل نتيجة الفرح في الحياة والإحساس بالخلود. لكن حضور الموت، أو على الأصح، إدراك هذا الحضور، يفسد الواقع. النور يصبح رمادياً، كما أن بيرانجيه، الممزق، المتجلد، يشعر من جديد بوطأة الوجود، يجد نفسه من جديد وسط ضوضاء متنافرة، محاطاً بالضباب والوحل، على شرفة مطعم صغير. تزداد هذه الضآلة في الفصل الثاني الذي يمتاز جوّه بالبشاعة ثم بالاختناق. الجزء الأول منه صورة صوتية رنانه: تبقى غرفة بيرانجيه غارقة في الظلمة، بينما تتصاعد الضوضاء من المنزل والشارع، ومن خلال النافذة، والغرفة موجودة في الطابق الإرضي - نرى أطياف الشخصيات، ومكنسة حارسة البناية: يتضاعف الحدث الصوتي من خلال مسرح الظلال. تجري أحداث الجزء الثاني في الغرفة الباردة البشعة. بيرانجيه، الذي يعاني أعظم الألم لوفاة داني، يدعو للشفقة وادوار يدعو للرثاء لأنه يعاني من آخر مراحل مرض السل؛ كما أن اكتشاف حقيبة القاتل يفرض صورة الموت من جديد، ويثير الشبهة والشكوك. في الفصل الثالث، يتخبط بيرانجيه وسط محيط متلاطم من الصور الكابوسية. أضاع الحقيبة، ووجد ثلاثاً مثلها لكن لم تكن أياً منها الحقيبة التي يبحث عنها. يتعارك مع السكّير، يتعارك مع العجوز ذي اللحية، الأم بيبا والسكّير يتعاركان أيضاً. يبحث العجوز في مدينة باريس عن أرصفة الدانوب، شرطيا المرور عملاقان، كما إنهما أيضاً آلتان لقراءة الأفكار.. الساعات توقفت. المدى قابل للامتداد لقد: سار بيرانجيه طويلاً لكن مديرية الأمن مازالت بعيدة(1). أخيراً، حديث بيرانجيه مع القاتل - وهو فصل قصير في حد ذاته كما يقول يونسكو - يعبّر عن موقف مأساوي. يناضل بيرانجيه ضد حقد عظيم وقسوة مطلقة، باختصار، ضد حتمية القدر، وليس بمقدوره إلا السقوط. في هذه السلسلة من اللوحات الست يظهر الواقع على التوالي: رائعاً، كريهاً، مضحكاً، مؤلماً، وهمياً، مأساوياً، ومن خلال هذه التغيرات تولد الحركة الدرامية التي يدعمها سقوط الشخصيات وتقهقر اللغة.