يعود تاريخ كتابة الكراسي إلى نيسان - حزيران 1951. قدّم سيلفان دوم المسرحية على مسرح نوفو لانكري في 22 نيسان 1952. لقد كانت كارثة رغم التصفيق الحار الذي قابلها به أداموف واوديبرتي ليلة بعد أخرى ورغم مقال دفاع عن الكراسي الذي ظهر في مجلة فنون” ويحمل تواقيع كونو، سوبرفيل، أداموف، وبيكيت. هذا التهريج المأساوي الذي يراوح على حدود الضحك والرعب، صدم الجمهور بتقنيته وأسلوبه. لكي تعرف المسرحية النجاح، كان لابد من إعادة تقديمها عام 1957 من إخراج جاك موكلير الذي كان أقل تجريداً من سيلفان دوم، كما أن التمثيل كان أقل تهريجاً، والشخصيات أكثر إنسانية وباختصار، كان الإخراج مطمئناً أكثر والجمهور أكثر انفتاحاً. يعرض الديكور غرفة عارية تقريباً، ذات جدران دائرية.. إنها برج وسط جزيرة، يحرسه عجوزان: الرجل في الخامسة والتسعين من عمره... قرون عديدة؛ أما المرأة، سميراميس، ففي الرابعة والتسعين من عمرها... الرجل جاثم على كرسي، يراقب عبر كوة صغيرة، تأتي المرأة وتشده من كمّه، تسحبه، تجلسه على ركبتيها: كلاهما يستعيد الماضي، يجتر حكايات قديمة، يتسلى بالأحداث اليومية المتكررة، يلوك الطموحات المجهضة: -[..] آه، صحيح، أنت بالتأكيد عالم عظيم، أنت موهوب يا حبيبي، كان باستطاعتك أن تصبح رئيساً أو ملكاً أو دكتوراً أو ماريشالاً، فقط لو كان لديك قليل من الطموح.. لم يعرفا في الحقيقة سوى الرغبات والحسرات، لقد انقطعا عن العالم، ومنذ خمسة وسبعين عاماً وهما يلعبان، لوحدهما، يومياً، لعبة كأس الشاي، ويستعيدان حكاية لقد ضحكنا إذن... ويكرران وصف باريس مدينة النور التي انطفأت منذ أربعمائة ألف سنة. يتعب العجوز في النهاية ثم يبدأ في البكاء طالباً أمه. تواسيه العجوز وتهدهده، ثم تحدثه عن رسالته في الحياة. يهدأ فجأة، يغادر ركبتي المرأة ويصبح على التوالي: رجلاً، جندياً، رقيباً في المدفعية. - أنا صاحب رسالة، لقد قلت حقاً، أنا أناضل، مُكلّف بمهمة، عندي شيء في بطني، عندي رسالة أوصلها إلى الإنسانية جمعاء.. دعا أصحاب الأملاك والعلماء للاستماع إليه: حرّاس، أساقفة، أصحاب فنادق وبنوك، بروليتاريون وموظفون، أطباء نفسانيون ومعهم مرضاهم، كلهم، كلهم، كلهم، إنهم، في المحصلة علماء وأصحاب أملاك وبما أنه يفتقد طلاقة الحديث فقد استأجر خطيباً. وصل المدعوون فسمع صوت انزلاق قارب على الماء، ورنين جرس الباب. يستقبل العجوز سيدة غير مرئية، يرحبان بها، يجلسانها، ويبدآن الحديث.. فسمع رنين الجرس من جديد. يدخل، دون أن نرى أحداً، كولونيل مزين بالأوسمة، ثم سيدة كان العجوز يحبها في الزمن الغابر، ثم حفّار كليشهات، وآخرون، وآخرون أيضاً. يؤدي العجوزان مراسم الاستقبال ويعرفان المدعوين على بعضهم البعض، ويفتحان باباً ويحضران كراسي ويبدآن أحاديث مع المدعوين. يذكّر الرجل العجوز الحسناء بحبهما القديم لكنها تغازل حفّار الكليشهات وتتظارف بقبح وبذاءة. يزداد رنين الجرس، يزداد عدد المدعوين اللامرئيين، ويتم ترتيب الكراسي المرئية على منصة المسرح، الكراسي التي يحضرها العجوزان بتسارع متزايد، وفي النهاية صارت الكراسي تأتي من تلقاء نفسها. لم يعد العجوزان قادرين على الحركة والانتقال: المدعوون كثر، والكراسي تزحم المكان.. ينحران بكوعيهما، ويطلبان من المدعوين الجلوس. لقد جمدا، كل واحد في طرف بعيد من المسرح. يتعالى صوت للأبواق: نور مبهر يعلن عن وصول للإمبراطور. يعبّر العجوز، وقد أربكه النبأ، عن فرحه وفخره، ويعلن، ما بين النحيب والاستغراب، إخلاصه، وذله، وفشله. يطلب العدل، وتردد العجوز نهاية كلماته كأنها صدى ساخر. بينما كان الخطيب يدخل بصمت، ويصعد إلى المنصة، ويوزع الصور، راح العجوز يشكر الإمبراطور والجمهور: - يا صاحب الجلالة؛ لم نطلب، أنا وزوجتي، شيئاً من الحياة. يمكن لحياتنا أن تنتهي في هذه الخاتمة المجيدة.. شكراً للسماء التي وهبتنا هذه السنوات الطويلة الهادئة. لقد كانت حياتي ملأى تماما. أديت رسالتي. لن تكون حياتي بلا جدوى، إذ أن العالم كله سيعرف رسالتي [..]. - نعم، نعم، لنمتْ ونحن في أوج مجدنا.. لنمتْ كي نصبح أسطورة.. سيستمر شارع باسمنا على أقل تقدير.. يرمي كل من العجوزين نفسه من النافذة وهو يصرخ: عاش الإمبراطور يأخذ الخطيب مكانه، يفتح فمه، لكن لا يخرج منه سوى التأوهات، وأصوات حلقية، إنه أطرش، أخرس.