مابين نظريات ارتو وتجربة المسرح الجديد هناك فاصل من عشرين عاماً. لاشك أن صعود الدكتاتوريات في أوروبا، ثم الحرب، قد أديّا إلى توقف بل ركود في تطوّر الأشكال الأدبية والفنية. لقد أحجم الكتّاب والفنانون عن أي استكشاف جديد وعادوا إلى القوالب القديمة لترويج الأيديولوجيات الجديدة وخدمة النشاط السياسي والمعركة العسكرية.لكن منذ العشرينات أوجد الشعر أشكالاً جديدة في التعبير نجدها عند ايلوار، اراغون، بيريه، سوبو، دينو، بروتون، تزارا.... أما بروست، جيد، مالرو، سيلين، ليريس..... فقد غيّروا في بناء القصة، وفي مجال الرسم، من براك إلى بيكاسو ومن كلي إلى موندريان، ومن التكعيبية إلى الفن التجريدي، أبدع الرسامون بجرأة وبدّلوا صورة العالم، أمّا المسرح الجديد، فعلى العكس؛ لم يبدأ حتى الخمسينات. يرجع هذا التأخير إلى طريقة استقبال الأعمال الأدبية. الشعر يمكن تذوّقه في جو العزلة والوحدة. إنّه تجربة فردية وتكفي غرفة ضيقة لإجراء أبحاث جديدة. كما أن الروائي يتوجه بكتاباته إلى قرّاء منفردين. إضافة إلى ذلك فإن طبع ديوان شعر صغير أو رواية يتطلب نفقات محدودة. على عكس ذلك لا يعيش المسرح دون جمهور والكاتب المسرحي بحاجة للحوار مع المشاهدين. من ناحية أخرى فإن تقديم المسرحية -الصالة؛ الديكورات، الممثلين- يقتضي توظيف رأسمال يحكم على المسرحيات بالنجاح أو الفشل. لهذا السبب يتطلب المسرح، في الحقيقة، تبديلاً في العقلية وثورة كاملة. الطليعة نفسها مضطرة للجوء إلى حافز يؤدي إلى انتشار وعي جماعي. يسمح بظهور تحوّلات تحتية في عز النهار. التحوّلات الجذرية في أشكال التفكير وفي كيفية رؤية العالم التي حدثت في مطلع هذا القرن تمّ التعبير عنها بواسطة فكر علمي في الرياضيات والفيزياء وعلم النفس وترجمت تلك التحوّلات بدراسات جديدة في الفن والأدب. لقد تابع المسرح هذه الثورة وأكملها في العمق. حوالي عام 1950، اتسعت البحوث الشكلية عن الرواية الجديدة مع صمويل بيكيت (موللي 1951)، ناتالي ساروت (صورة رجل مجهول 1948. مرتور و1953، القبة الفلكية الاصطناعية 1959)، آلان روب- غرييه (المماحي 1953، المتلصص 1955، في المتاهة 1959)، ميشيل بوتور (ممر ميلان 1954، استخدام الزمن 1956، التعديل 1957). في خطّ موازٍ للروائيين حاول بعض الكتّاب المسرحيين الجدد أو الذين يجهلهم الجمهور إثبات وجودهم. جاك اوديبرتي (الشرينتشر 1947)، جان جينيه (الخادمات 1947. رقابة مشدّدة 1949)ارتور ادموف (الحركة الكبرى والحركة الصغرى 1950)، جورج شحادة (السيد بوبل 1951)، جان فوتييه (الكابتن بادا 1952)، صمويل بيكيت (في انتظار جودو 1953) وأخيراً عُرضت مسرحية برتولد بريخت (الاستثناء والقاعدة 1950)، في فرنسا. المسافة بعيدة حقاً بين الخيال الشعري عند شحاده واوديبرتي والعنف عند فوتييه، المسافة كبيرة بين المسرح الاحتفالي عند جينيه وتبنّي المواقف السياسية عند بريخت أوآداموف. رغم ذلك؛بحث هؤلاء الكتّاب كلهم عن تجديد عميق للمسرح وغيّروا العادات الفكرية عند الجمهور. تنتمي محاولات يونسكو الفاشلة إلى هذه الفترة من الصراع بين كتّاب المسرح الجديد والجمهور؛ كما أن نجاحاته تتزامن مع تكريس الأشكال المسرحية الجديدة: عام 1957، عُرضت مسرحية ادموف (باولو باولي) ونهاية المباراة لبيكيت، وفي عام 1959، عُرضت مسرحية جينيه (الزنوج) وفي عام 1960، في الفترة التي عُرضت فيها مسرحية الكركدن كانت تُعرض (العصابة الأخيرة)، لبيكيت، (الشرفة)، لجيتيه، (ارتورو اوي) لبريخت. لم يكن مسرح يونسكو منعزلاً إذن؛ إنه يشارك في ثورة الأشكال الأدبية وفي العقليات. الحوار والحركة على المسرح. هما طريقته الخاصة في استكشاف الواقع، واكتشاف الذات، وفي الفهم وفهم الذات [....]، عالم كامل يُبنى، أو ينكشف بمقدار. بمقدار ما يكتب عنه المؤلف ويفكر فيه. يوميات في فتات.