عندما كتب يونسكو هذه المسرحية كان يحلم بقصة يوميات الطاعون لدانييل دوفو، ورواية الطاعون لألبير كامو إذ وجد في هاتين القصتين موضوعاً وصوراً ومواقف.... يمكن الاكتفاء بهذه الإشارة دون الحديث عن التأثر وإلاّ فإننا نواجه تأثراً سلبياً وردّ فعل رافض. تختلف تقنيات المسرح عن تقنيات القصة، ويبتعد يونسكو كثيراً عن منطلق كامو الأخلاقي عندما يفسّر الأحداث. فالمغزى في مسرحية لعبة القتل والمغزى في الطاعون متعارضان. لانجد في مسرحية لعبة القتل عقدة ذات تغيرات فجائية متعددة ولا نجد تطوراً يحقق حيويته من خلال موقف متغيّر. المشاهد المتتالية مشاهد مستقلة، يعرض كل مشهد موقفاً خاصاً، والرابطة الوحيدة التي تجمع بينها هي الموت. لوحات متتابعة لصورة جدارية ينقل تتابعها تجاوراً في المكان. لعبة القتل عرض مسرحي وليست دراما. لا تشكل الحلقات الثلاث من مسرحية العطش والجوع تسلسلاً زمانياً ، لكنها تصوّر ثلاث طرائق للحياة في العالم وهنا يذهب يونسكو إلى أبعد من ذلك. إنه يرفض الشكل الدرامي، يرفض التقاليد الثابتة، يرفض الحدث الذي تتشكل عقدته من أزمة ما، ويتطوّر حتى يصل الذروة، ثم تنحلّ العقدة من خلال تغيير أساسي في الموقف الأوّلي. هذا الطرح الجوهري الجديد للعمل يعدّل من دور الشخصيات التي فقدت وظيفتها الدرامية ولم تعد أكثر من موقف في مواجهة الوباء، إنها عيّنات، نماذج. منذ ذلك الحين لن نراها تنتقل من مشهد إلى آخر. بل لم يعد هناك شخصية يحدّد وجودها المستمر بوضوح وحدة المفهوم أو وحدة النظرة إلى العالم مثلما رأينا من قبل في مسرحيتي قاتل بلا أجر و العطش والجوع. هذه الطريقة في معالجة الزمن والشخصيات تؤدي إلى حدوث تعديلات على أشكال الحوار. لم يعد الحوار في خدمة الحدث، ولم يعد وسيلة للاتصال، ولم يعد يوضّح أفكار المؤلف: ليس هناك تبادل حقيقي ولا اعتراف ولا فصاحة ولا غنائية. الحوار يشير إلى المواقف، إنه حوار وصفي، للكلمات فيه نفس المهمة التي تؤديها بُقع الألوان على اللوحة. ردود قصيرة، كليشهات، كلمات مبتذلة متراكمة تستخدم قوالب اللغة اليومية، تصف التصرّفات الممكنة أمام الحياة وأمام الموت. يتعرّف المرء على ما رآه من قبل، ويكون أحياناً على اتصال مباشر بالأحداث الراهنة: يلجأ يونسكو إلى طريقة الإلصاق (كولاّج) ويستعير شعارات من خطب السياسيين وزعماء النقابات المعروفين، وعبارات من مقابلات صحفية مع رجل الشارع...يضرب الأمثلة ثم يجعلها تنكمش فتعطي السخريةُ آنذاك للواقع مغزاه. هذه الطريقة الساخرة تجعلنا نفكّر بالقوّالين: هنا يؤكد يونسكو أيضاً تصحيحه على أن ينقل إلى المسرح أشكال الاستعراض التي يمكن أن تبدو غريبة عنه: الميوزيك-هول، والكاباريه...