لا يعتمد مسرح يونسكو على الحوار فقط. يُضاف إلى التعبير بالكلمات التعبير بالتمثيل:أنا لا أصنع أدباً، إنني أصنع شيئاً مختلفاً تماماً. إنني أحقق مسرحاً. أريد أن أقول إن النص الذي أكتبه ليس مجرّد حوار لكنّه إرشادات مسرحية أيضاً. يندمج أداء الممثلين مع الحركة الدرامية وله دلالته الخاصة به. المسرح بصري مثلما هو سمعي، لهذا السبب يجسّد يونسكو إيحاءات الحوار بواسطة التمثيل. جاك بعد أن أصبح فحلاً يصهل حول روبرتا التي تتحدث عن الصحراء. شوبير، يغوص في الظلمات وهوممسك بذراع مادلين، يمرّ تحت الطاولة، ويتسلّق نحو القمم فيصعد على الكراسي والطاولة. يمكن للتمثيل أن يخالف الحوار أيضاً. يقترح يونسكو على الممثلين أن يمثّلوا عكس النص، وبهذه الطريقة يتمّ تحاشي الحشو والإسهاب وإظهار دلالات جديدة، على نص أخرق لا معقول هزلي يمكن أن نضيف إخراجاً وأداء رصيناً متميزاً احتفالياً وعلى نقيض ذلك، لتحاشي سخرية الدموع السهلة، والحساسية الزائفة، يمكن اللجوء إلى التمثيل البهلواني وتبيان المعنى التراجيدي للمسرحية بواسطة التهريج. هذا التناقض يجعل الكلمات تعبّر عمّا لم تعبّر عنه من قبل أبداً. في مسرحية اللوحة يمكن للحوار فقط أن يجعلنا نعتقد أن المسرحية نقد لاذع للرأسمالية المستغلّة. رغب يونسكو أن يكون التمثيل تقليداً ساخراً، على أقصى درجة من الغباء مما يؤدي إلى تغيير المعنى والمدلول. لكن التمثيل يكمل النص في أغلب الأحيان. عندما يتفكّك الكلام أو يفرغ من معناه، تعتمد الاستمرارية الدرامية على الإيماء، في بداية ونهاية المغنية الصلعاء، وخلال حصة فقه اللغة في الدرس، لا يبقى من الكلام سوى الضجيج، وسير الأحداث مستمر عبر التمثيل. كذلك لا يبقى ثمّة كلام في الرقصة الخليعة التي تختم مسرحية الامتثال، أو في زوبعة الكراسي، أو في نهاية العطش والجوع. الأشكال المألوفة جداً في التلحين الإيقاعي الذي تؤديه الشخصيات ثلاث وهي: التكرار والطباق وقلب عناصر الجملة. من مشهد إلى آخر، وعلى امتداد التطور الدرامي، تتكرر الحركات: آل مارتان يستعيدون دور آل سميث، وتحلّ إحدى وأربعون طالبة محلّ الطالبة السابقة، وفي الفصل الثالث من مسرحية الكركدن يقلّد بيرانجيه جان في المشهد السابق. الطباق بديل عن التكرار. مجموعتان من الممثلين تؤديان المشهد نفسه على مستويات مختلفة؛ والمشهد المعبّر تماماً عن ذلك هو المشهد الرباعي في مسرحية: جان، بيرانجيه، رجل المنطق، السيد العجوز. لكننا نجد أيضاً الأسلوب نفسه في قاتل بلا أجر والماشي في الهواء. في مكان آخر يتبادل ممثلان دوريهما. في مسرحية الدرس يتطوّر سلوك كلّ من المدرّس والتلميذة بشكل متناظر. وفي الكركدن وفي أثناء المشهد الذي يجمع ديزي وبيرانجيه يتبادل الاثنان دوريهما أيضاً. في هذه الحالات، التشابه يؤكد الاختلاف؛ كما أنّه يبيّن الموقف وانعكاسه. يستغّل يونسكو مختلف أشكال التمثيل مما يؤدي إلى توسيع حدود المسرح. إنه يرسم لوحات حيّة: الزيارة في المغنية الصلعاء، العرس الضاحك في الامتثال، شرفة المقهى، والمكتب في الكركدن. تسمح هذه اللوحات الحية، عند بداية الفصل أو نهايته، أن تدرك في لحظة موقفاً ما، أن توضح مغزى مسرحية، مثلما يفعل الدرس الأخلاقي الذي نستخلصه من قصة ذات مغزى ألعاب خداعية. تزين الحركة الدرامية بالزخارف ففي مسرحية الكركدن يُخرج جان من جيوبه ربطة عنق ومشطاً ومرآة؛ وفي ضحايا الواجب تكدّس مادلين فناجين القهوة؛ وفي الماشي في الهواء يُظهر بيرانجيه ويُخفي كثيراً من قطع الاكسسوار. تحقق هذه اللعبة، بمجانيتها، التوتر الدرامي وتعطي للحركة إيقاعاً أسرع. يستخدم يونسكو أيضاً أساليب السيرك ومسرح العرائس فالشخصيات في الامتثال غيّرت وجوهها، وأحلام جوزفين ملأى بالوجوه المضحكة، كما أن مسرحية اللوحة تحمل عنواناً ثانوياً هو تهريج. تتحول الحركة أيضاً إلىمسرح ظل، في الفصل الثاني من قاتل بلا أجر نشهد مرور خيالات معبّرة خلف نافذة الغرفة: حارسة البناية مع مكنستها، ساعي البريد، مستأجرين، تجّار الحارة... أخيراً، يلغي يونسكو أحياناً التمييز بين المسرح والصالة؛ ففي الروايتين الأوليتين لنهاية المغنية الصلعاء كان يخطط لوجود بعض الممثلين في الصالة لمشاركة الجمهور في المسرحية؛ وفي مسرحية التحيات يجلس أربع من أصل سبع ممثلين في الصالة. لم يستغلّ يونسكو أبداً هذا النهج لكنه يستعيد فكرة من أفكار ارتو وهي تطبيق جميع أشكال التمثيليات الشعبية، خصوصاً السيرك، تلك التمثيليات التي تحاول إشراك الجمهور في العرض. يمكن الإقدام على كل شيء في المسرح. إنه المكان الذي يحتاج أقل قدر من الجرأة [....] سيتّهمني الناس أنني أقدّم الميوزيك - هول والسيرك. حسناً، لندمج السيرك! يمكن أن يُتهم المؤلف بالتعسف لكن الخيال لم يكن أبداً تعسفياً؛ إنه كاشف للأسرار ونبع للإيحاء.. إن جرأة يونسكو في مجال التمثيل تعطي لرؤية الواقع إمكانيات جديدة. إنها تشقّ طرقاً جديدة للخيال المبدع والنتاج العجيب في الأدب والفن؛ إنها تسمح بتقديم موقف إلى الجمهور لا يمكن الدفاع عنه: العسر والعار في نهاية الامتثال أو اللوحة، القلق والخوف في مسرحية العطش والجوع، من خلال مشهد المهرجين- أشعر أن ساقيّ قد بترتا، وكما يقول جان، ونحن أيضاً. أخيراً فإن التمثيل هو الذي يولّد الحد الأقصى من الانفعال.