بدءاً من عامي (1953-1954)، راح النقاد يبررون أحكامهم، عادوا إلى الوراء عدة سنوات وصار بمقدورهم أن يقارنوا بين عشرات المسرحيات والتمثيليات القصيرة. رغم ذلك بقيت أحكامهم عدائية أكثر من كونها متسامحة، شاملة، تحاول فهم هذا المسرح الجديد. دُرِست قضية يونسكو وكانت مآخذ النقاد عليه جهله لعلم النفس، وعدم معرفته لقواعد المسرح وافتقاره للأسلوب. كما اتهموا مسرحه أيضاً بالترويج للايديولوجية البرجوازية، على نقيض ذلك، أبرز المدافعون عنه الجدّة والقوة الساخرة، الغرابة والجرأة والفكاهة وأصالة أشكال التعبير. روبير كمب (لوموند 18 تشرين الأول 1955). السيد يونسكو شاب من صنف الفريد جارّي، لم يخفِ أبداً أنّه مكتوب عليه أن يقدّم مساهمته المتواضعة في هدم مسرح محدّد[.....]. يمثل يونسكو في نظر مجموعة صغيرة، صغيرة جداً، محرّراً.. إنه بوليفار المسرح... فليحتفظ بوهمه الجميل. إنه فضولية تافهة في مسرح اليوم[....]. لو كان طبّق بجديّة مواهبه الأكيدة في الكتابة لأنتج أشياء لها قيمتها. لكن مسرحيتي اللوحة وجاك اللتين شاهدناهما منذ برهة ماهما سوى ذباب لآكل الذباب (إضاعة وقت). الحوار ثقيل، رديء، من صنف ثانٍ كما يقول اللحّام. رولان بارت (المسرح الشعبي. العدد 18، الأول من آذار، 1956). ليست الطليعة أبداً سوى طريقة لتمجيد الموت البرجوازي إذ أن موتها ينتمي إلى البرجوازية أيضاً. لكنّ الطليعة عاجزة عن الذهاب أبعد من ذلك وكأنها لا تستطيع أن تدرك النهاية الفاجعة التي تعبّر عنها، مثل لحظة انتاش البذور، ومثل الانتقال من مجتمع مغلق إلىمجتمع مفتوح [....]. بما أن الطليعة تعيش على البرجوازية وتعبر عن ممتلكاتها، فمن المؤسف أن تساير تطورها. يخيّل لنا أننا نشهد موتها ببطء، وسواء أكانت البرجوازية تعيد توظيف استثماراتها كاملة في تلك الطليعة، سينتهي بها الحال إلى حضور الأمسيات التي تعرض فيها مسرحيات بيكيت واوديبرتي (وغداً ستعرض مسرحيات يونسكو الذي تأقلم سريعاً مع نقد الإنسانيين) وسواء أكان الكاتب الطليعي، وقد أقرّ بوجود مضمون سياسي للمسرح، يتخلّى بالتدريج عن التأكيد الجمالي البحت (وهذه هي حالة اداموف بلا شك)، ليندفع على طريق الواقعية الجديدة. برنارد دور (المسرح الشعبي. العدد 18. آذار 1956). أن يرفض المشاهد (إذ لا يمكن الحديث عن الجمهور)- هذا المشاهد الفردي، بديل المؤلف- أو يقبل مسرح الرعب هذا، ليس لاختياره، في الحقيقة، أية أهمية، إذ، في النهاية، لاشيء قد حدث. لقد ألغى هذا المسرح العالم لكن بطريقة خيالية وهمية، ولهذا السبب فإن هذا المسرح هو الذي ألغى نفسه، أنكر نفسه بنفسه. كينث تاينان (الا وبسرفر 22 حزيران 1958). لقد خلق السيد يونسكو عالماً من الرجال الآليين (الروبوت)، المتوحدين يتبادلون فيما بينهم حوارات شبيهة بحوارات حكايات الأطفال، حوارات مضحكة أحياناً،ذات إيحاء أحياناً أخرى، وغالباً لا تكون هذه ولا تلك فتسبّب آنذاك سأماً عظيماً.. مسرحيات يونسكو تشبه حكايات الكلاب الناطقة، لا يستطيع المرء سماعها مرتين [....] يحقق السيد يونسكو حقاً انطلاقاً للواقعية، لكنه انطلاق نحو أي شيء؟ نحو طريق مسدود، ربما كان مزيناً بزخارف تلطيخية على الجدران: أو بجرس يدعونا المؤلف على قرعاته الحزينة أن نلحظ انعدام الهواء أو، وهو الأفضل، يدعونا إلىنزهة طويلة في القطار الشبح، المملوء بالجماجم والأقنعة الشمعية التي تعوي وتصرخ... لكننا ندخل بعد ذلك إلى الواقع اليومي حيث الضوضاء بالرعب الأشد. مسرح يونسكو لاذع، جارح، مهيّج، لكنه يبقى تسلية هامشية ولم يأخذ مكانه في هذه المسيرة الكبيرة والادّعاء أنه كذلك لا يقدّم خدمة لا ليونسكو ولا للمسرح عموماً. كينث تاينان (الاوبسرفر 6 تموز 1958). لقد بقي(السيد يونسكو) أسير التكعيبية. كان التكعيبيون يلجأون إلى تشويه الأشكال ليحققوا اكتشافات في مجال طبيعة الواقع الموضوعي. يعتقد السيد يونسكو أن لتشويهاته قيمة أعظم وأهمية أكبر من العالم الخارجي الذي يحاول تقديمه [....]. الخطر الذي يهدد يونسكو هو أن يسجن نفسه في قاعة المرايا هذه، المعروفة في الفلسفة باسم الأحادية. الفن يعيش على الحياة مثلما يعيش النقد على الفن. لقد حطّم السيد يونسكو ومؤيدوه هذه العلاقة وعزلوا أنفسهم وراحوا يطمحون إلى نوعٍ من الجمودية الهادئة التي تقاوم كل تجديد. جاك لومارشان (مقدمة مسرح يونسكو 1954). ليس هذا المسرح مسرحاً سيكولوجياً ولا رمزياً ولا اجتماعياً ولا شعرياً ولا سريالياً. إنّه مسرح لم تتحدد وصفته بعد، مسرح لم يأخذ مكانه في أي قسم من أقسام المسرح الجاهزة (إنه مسرح/ على القياس) لكنني أشعر تماماً أن أمري سينكشف إذا لم أجد تسمية لهذا المسرح. إنه بالنسبة لي مسرح مغامرات إذا ما أخذنا كلمة مغامرات بالمعنى الذي نفهمه عندما نقول رواية مغامرات. إنه مسرح فروسية لا يخضع للمنطق مثل مغامرات فانتوماس غير حقيقي مثل رواية جزيرة الكنز، لا عقلاني مثل رواية الفرسان الثلاثة، لكن هذا المسرح، مثله مثل تلك الروايات، شاعري، ساخر، مثير. إنه ينتهك قواعد اللعبة، وأنا أعرف ذلك. إنّه مع ذلك... نقيض المسرح الذي يتستر على العيوب/نقيض المسرح. اندريه بروتون (دفاتر الفصول 1955). مرة أخرى تُعرض مسرحية جديدة ليونسكو على مسرح لاهو شيث المغروس في قلب باريس القديمة، وهودواتها الصاخبة التي تجتذب لها صخب المدينة كله، وكما كنّا في عزّ طفولتنا رحنا نهيء أنفسنا إلى مشاهدتها، وهي تتمايل بانعطافاتها الواسعة، وتقفز فوق نفسها كما لو أنها تستسلم، بلا مقاومة، إلى نبضات قلوبنا. جان انوي (الفيجارو 23 نيسان 1956). (عن مسرحية الكراسي) أعتقد تماماً أن هذه المسرحية أفضل مسرحيات سترندبرغ لأنّها مسرحيةسوداء على طريقة موليير وأحياناً تكون مضحكة جداً، كما أنّها مسرحية مخيفة، غريبة، موجعة، صحيحة دائماً، كلاسيكية -عدا تلك الحركة الطليعية البالية التي لم أحبها عند نهاية المسرحية... انهيار التحالفات. تغيّر موقف النقاد بشكل ملموس منذ مسرحيتي قاتل بلا أجر والكركدن.. وافق بعض الأنصار الأوائل على تطوّر يونسكو لكن آخرين، رغم سرورهم لنجاح المؤلف، تحسّروا على المسرحيات الساخرة المدمّرة التي كتبها في بداية حياته الأدبية. اتهموا الرجل العظيم بالرمزية والنزعة الإنسانية وربما اتهموه بالانتهازية. علىعكس ذلك فإن بعض الذين سخطوا عليه عام 1950. مدحوا المسرحيات الجديدة وصفقوا لها. أخذ النقاد الملتزمون على يونسكو عدم اهتمامه بالمشاكل الراهنة. جان سيلز (الآداب الجديدة 4 آذار 1959). لم يخلق يونسكو فقط شكلاً مسرحياً تغتني فيه الشخصيات واللغة والديكور والاكسسوار باكتسابها وظيفة جديدة، بل خلق مُشاهداً أيضاً. إلزا تريوليه (الآداب الفرنسية شباط 1960). كم كانت دهشتي عظيمة أمام المقالات الأولى التي ظهرت! هل كان على بصري غشاوة؟ هل أخطأت الحكم؟ هل أُصيب نقاد اليسار بمرض خرتتة حاد؟ [.....] هاهم يقومون قيامة كركدن واحد ضد المسرحية، يحكمون عليها من وجهة نظر الكركدنات. حتى لا يؤخذوا علىحين غرّة ولا يجدوا أنفسهم خارج جماعة الجهابذة -الكركدنات. روبير كمب (لوموند آذار 1959). أيتها الرمزية، هاهي ضرباتك! لقد سلبتِ من كاتب مسرحي أصيل، حاد الطبع جزءاً من قريحته وبريقه. قاتل بلا أجر مسرحية ذات وزن، وزن كبير، بالنسبة للحقائق التي تحملها وهي حقائق خفيفة (راجع آراء الناقد نفسه عامي 1953-1955). برتران بوارو- دلبش (لوموند كانون الثاني 1960). لن أستسلم أبداً هكذا صرح بطل مسرحية الكركدن في وجه محاولات الامتثالية(الخضوع للأعراف المقررة)؟ أمّا فيما يتعلق بالمؤلف فالاستسلام حقيقة واقعة، للأسف... لنتفق إذن. لقد كان موقفاً صحيحاً،مطلوباً، أن تكرّس باريس، ومعها أوروبا كلها، الشاعر الحقيقي الذي كتب المغنية الصلعاء. لكن إنساناً ورعاً من عصر الدياميس له الحق في أن يحزن لأن يونسكو بعد أن اكتشف تفاهة الابتذال سقط، وهو يتابع طريقه، في ابتذال التفاهة وفي الرمزية الوعظية التي كان يلعنها. غي لوكليرك (الاومانيتيه). لقد أضاف يونسكو شيئاً إلى المسرح الفرنسي المعاصر: أضاف نقداً للغة والحياة المتعارف عليهما؟ وتصويراً لاستلاب الإنسان في المجتمع الحالي، وأسلوباً درامياً جديداً ومثيراً. كانت مسرحياته ذات الفصل الواحد ذات شحنة مملوءة تقدح وتصدم، أمّا مسرحياته ذات الفصول الثلاثة- الكركدن، قاتل بلا أجر- فهي ذات شحنة مفرغة. اندريه سيمون (ايسبري. نيسان 1960). يمتاز يونسكو بكثير من الظرافة وبمثلها من الإرادة الطيبة. على عكس المظاهر، لم يحاول أبداً أن يزعج أو يكدّر، ولكي يشكر هؤلاء السادة والسيدات الذين انتزعوه من مسارح الأقبية. تظاهر بالجدية مع نفسه ومعهم. إنّه يعمل مع أصحاب النزعة الإنسانية الشاملة، ضمن المشاعر الطيبة والأفكار العظيمة... كيف حدث أن أول المخلصين له استقبلوه ببرودة واتهموا الرجل العظيم بالانتهازية؟ جيل ساندييه (آر 21 كانون الأول 1966). من المؤثر حتماً أن نرى يونسكو وهو ينظر إلى الموت على المسرح مثلما يفعل ذلك في الحياة. لكن هذا الملك الذي يرمز للشيطان، مثقل إلى حدٍ ما بالاستعارات والمجازات... إنه الإنسان، إنه الله، إنّه الإنسان - الإله، إنّه المسيح، إنه أوجين يونسكو، وهذا يعني الكثير. يتحسّر المرء على يوسويه، يتحسّر على شكسبير، يفكر المرء بما ترلنك، ويتحسّر على الكراسي. جان فينيو رون (لاكروا شباط 1960). لا مجال للخطأ هذه المرّة فيونسكو يكتب بلغة فرنسية! كما أن مسرحية الخرتيت(الكركدن) عمل واضح تماماً، فيه رمزية شفافة، قويّة جداً، بحيث يمكن النفاذ إليها كما أنها ذات مضمون عظيم جداً بحيث يستطيع الجميع إدراك مغزاها. جورج ليرمنييه (غازيت دولوزان 12كانون الثاني 1963). هذا الغنائي التهكمي، هذا التراجيدي الساخر، هذا المهرّج الميتافيزيكي، يأخذ منا أكثر مافي اللغة من إنسانية. مواضيعه هي مواضيعنا، وأولئك الذين مازالوا يتهمون يونسكو بالانغلاق والعمى، إذا ما وُجدوا، هم العميان حقاً. جان - جاك غوتييه (الفيجارو 7 كانون الأول 1966). نعم، ها أنذا أقول وأكرر:الملك يموت، مسرحية إنسانية، مركزّة، جيدة التأليف، حسنة الكتابة، فيها شاعرية عظيمة، إنها عمل مؤثر موجع، إنها مضحكة أيضاً. إنها تراجيكوميديا شكسبيرية. اذهبوا لمشاهدتها، إنّها تستحق العناء. بيرنيرو دوبوادفر (لينوفيل ليتيرير 7 نيسان 1966). (عن مسرحية العطش والجوع). عمل حرّ، غني، جميل، متحرر من جميع الايديولوجيات، على اتصال مباشر مع القلق العميق الذي يعانيه هذا القرن وتحمل المسرحية سماته؛ لكنّها تتجاوزه للضرورة الفكرية التي لا جدال فيها والتي تظهر في المسرحية. إنها دراما غريبة عظيمة يمكن الانتقال فيها بيسر من الهزلي إلى التراجيدي ومن اليومي إلى الأبدية. رونيه سوريل (الأزمنة الحديثة نيسان 1959). عبثاً يفتش المرء في هذه المسرحيات عن علامة من علامات عصرنا. هانز ماير (المسرح الشعبي العدد 50، 1963). فرد وحيد ومعه ميزته الخاصة: تهديد القلق والموت. صاحب ايديولوجية يراوده وهم أنه يحارب كل الايديولوجيات. مؤلف مسرحي ذو رسالة موجهة إلى شخص واحد. لكن هذه الشخصيات المتفرّدة كلها، المتباهية بحريتها، التي تتحدث وتكتب ضد حضارة الجماعة هي في الحقيقة تعبير عن حضارة الجماعة تلك.