عند بداية المسرحية يستخدم بيرانجيه لغة غنائية أقرب إلى الشعر، لغة غنية بالصور والاستعارات والإيقاع العذب والسجع الذي يترجم فرحه في الحياة واحساسه بالإمتلاء: .. أصبح النور أكثر سطوعاً دون أن يفقد شيئاً من رقته، لقد كان كثيفاً جداً حتى صار صالحاً للتنفس، أصبح هو الهواء نفسه، بل صار النور صالحاً للشرب مثل الماء الصافي.. كيف أعبر لك عن ذلك البريق الذي لا مثيل له؟.. كأنما لو أن هناك أربع شموس في السماء. في نهاية هذا الفصل تسود اللهجة الغثة المبتذلة التي يلجأ إليها مفوَّض الشرطة و صاحب المطعم الصغير: من أجلك أنت يا سيدي المفوض عندي نبيذ بوجوليه حقيقي و فطيرة من لحم الأرنب محشوة بلحم الخنزير الطري ومن هذه الغثاثة والابتذال يتفجر فجأة السخف واللامعقولية. لكن اللامعقولية تتزايد خاصة في الفصل الثاني، في مشهد الأصوات. يمتزج السخف مع البلاهة وتختفي كل فكرة لكن الكلمات تتابع ترابطها ولم تعد الشخصيات مسؤولة عن الحديث الذي تتبادله، فأغنية حارسة البناية هي تركيب غير محدود لمهفومي الحر و البرد: عندما يكون الطقس بارداً، لا يكون حاراً عندما يكون الطقس حاراً، ذلك يعني أنه بارد! عندما يكون الطقس بارداً، هل يكون حارّاً؟ عندما يكون الطقس حارّاً هل يكون إذن بارداً؟ كيف يكون الطقس اذن عندما يكون لارداً [..] تشكّل المناقشات الدائرة بين أعضاء مجلس الإدارة سلسلة من الكنايات تتسلل إليها اشتقاقات لغوية: - هل عُرضت القضية على وفد من مندوبي الوفود؟ [..] - كلا، فقد حُلّت المسألة بواسطة نيابة وفد المندوبين [..] - وبما عندنا من معلمين رؤساء ومن معلمين مساعدين ومن نظراء المعلمين ومن حاشية المعلمين سنشكل قاعدة تنظيمية، ولجنة مشتركة. - سيؤلف المعلمون وحاشية المعلمين لجان أعمال من شركات المتعهدين وهذه بدورها ستؤلف جماعات اجتماعية.. - هناك المبدأ التنظيمي للقاعدة وهناك وجهة النظر التنظيمية للبنية الفوقية.. في الفصل الثالث يتضمن حديث الأم بيبا جميع الشعارات السياسية وجميع الصيغ التي تتبناها جميع الايديولوجيات الهابطة وجميع الدكتاتوريات. تتحدث الأم بيبا لغة القتل والجريمة، ويستخدم الشرطيان لغة العنف والقسوة: انصرفْ من أمامي.. لحظة واحدة فأنا مشغول بهذا السيد.. لا تهتم بذلك، سنناله على كل حال في المرة القادمة.. أخيراً، نرى اللغة تتفتت في المونولوج الذي يلقيه بيرانجيه، فكلمات الحب والصداقة والكرم ما هي إلا قوالب تستر نزعة عاطفية منافقة، وتخفي حجج ومبررات الكراهية والجريمة، ثم يتلاشى اليقين، وتتساوى التأكيدات كلها في الشك الذي يعبر عنه بكلمة ربما. - [..] لست أدري، ربما كان الذنب ذنبي، وربما كان ذنبك أنت، وربما لم يكن لا ذنبي ولا ذنبك، ربما لم يكن هناك ذنب على الإطلاق، ربما كان ما تفعله خيراً وربما كان شراً وربما لم يكن لا خيراً ولا شراً [..]. سيستخدم بيرانجيه بعد قليل كلمات على غير ما يهوى.. يفكر بالأخوّة لكنه يقيء شتائم. لقد فلّ سلاحه. عند خاتمة هذا التقهقر التدريجي تكتمل تراجيديا اللغة.