مسرحية جاك صورة ساخرة للمسرحية المسلية وموضوعاتها المفضّلة: عودة الابن الضال، العائلات المشغولة بتزويج أبنائها، عقدة تنتهي بزواج يرضي الجميع.. لكن هذه السخرية تعكس تمرداً مزدوجاً. جاك متمرد على أسرته، أي أنه متمرد على الكذب، والتفاهة، والخسّة، والخيانة - الطيبة كلمة على كل لسان، السكين الدامية بين الأسنان - لقد صرّح لروبرتا أنه حين ولادته لم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة بكثير. سن الرابعة عشرة، إنها السن التي يبدأ فيها المرء اكتشاف العالم (إذا كان العمل الأدبي ينقل تجربة حياتية)، وإنها سن يونسكو عندما سافر إلى رومانيا. رفض جاك الخضوع والامتثال وقد عبّر عن ذلك: لقد أكدوا لي أن في الزواج علاجاً؛ وعدوني بالأوسمة، وإمكانية نقض الاتفاق، وعدوني بالزينات، بأزهار جديدة، بسجاجيد أخرى. ثم جاءت الاغراءات والدعوة إلى التعقل، واستخدام العواطف، الشفقة والحب، ثم جاءت المصيدة. استسلم جاك وأعلن عن قبوله لعالم الكبار: يشكل اعترافه لروبرتا الارتعاشة الأخيرة لتمرده ونقائه: لقد سدّوا الأبواب والنوافذ، لقد أخذوا السلالم.. ما عاد أحد يهرب عن طريق العنبر. لم تعد ثمة وسيلة للهرب من الأعلى.. قالوا لي، رغم ذلك، أنهم تركوا فتحات في كل مكان تقريباً.. ليتني أكتشفها.. إنني أتحرّق للهرب... وعدت روبرتا أن تساعده، فهي تعرف تلك الفتحات، وقد نالت ثقة جاك، لكن هي الأخرى ما هي إلا مصيدة. أما المغزى الثاني للمسرحية فهو التمرد على الملذات الجسدية الساحرة الكريهة في آن معاً. المتعة الجنسية مصيدة للزوجين وقد عُرضت هنا بصورتها البيولوجية، يشير العنوان الثانوي للمسرحية إلى ذلك كوميديا طبيعية. لقد أيقظت روبرتا جاك على الملذات الحسية عن طريق الإيحاء أو باللجوء إلى الصور التي تعبّر عن ماديّة الرغبات الجسدية: حلم الحمّى، حلم العطش والانجراف، في بيت الفخار، هناك ذبابات ضخمة، وصراصير، وبقّ، وضفادع، كما أن ذراعي روبرتا حيّتان.. يستبعد هذا الحلم كل الصور التي تترجم روحانية العلاقات العاطفية. انجذاب ونفور: يعبّر عن هذا التناقض أغنية روبرتا التي تذكر المزايا كلها وما يناقضها أيضاً. إنها لبهجة الموت في الحياة.. فرح الحياة والموت. إنها كل ما تقدّمه الحياة وما تحرم منه، امرأة ذات وجوه متعددة. آلهة ذات صفات لا تنتهي. تصبح المتعة الجنسية كريهة عندما تسخّر لخدمة مخططات العائلة. الزواج هو الخطوة الثانية إلى امتثال الفرد لقوانين الجماعة الاجتماعية. العائلتان، المتآمرتان، تلجآن إلى شتى أصناف الحيل للوصول إلى غايتهما، وروبرتا ليست سوى الأداة. هذه الفكرة المعروضة هنا، تناولها يونسكو مرة أخرى في تتمة مسرحية جاك. بالاعتماد على الأساليب التي استخدمها، وعن طريق استكشافه للغرائز، ومن خلال مغزى المسرحية، فإن الامتثال مسرحية جريئة، عنيفة، بلا جدال.. كان لابد من الانتظار حتى عام 1955 حتى تجرّأ روبير بوستيك وقدّمها على مسرح لاهوشيت، وقد قوبلت بأشكال مختلفة: صفّر لها جمهور لندن، واستهجنها جمهور نيويورك، ومُنعت في مدريد(1).