انطلق يونسكو في كتابة ضحايا الواجب من أقصوصة من حوالي عشر صفحات عنوانها ضحية الواجب. استُخدمت أرضية للمسرحية، وتنتهي بموت الشرطي - وهذا ما يفسر اختلاف العنوان -. الأقصوصة نقل لحلم، أما المسرحية فإنها تستخدم صور الأحلام، لكنها تعبّر أيضاً عن فكرة نهارية يؤمن بها الكاتب، تم تطويرها وتوسيعها. تحتل صور الذكريات مكاناً هاماً في المسرحية: الفكرة الأساسية هي الغوص في الماضي، البحث عن حقيقة نفسية غير مُدركة. العقدة البوليسية ليست إذن ذريعة، أو موقفاً كوميدياً، إنها ترمز إلى التقصّي السيكولوجي. هناك لغز حقاً: مالوت و الحكايات الشخصية عند شوبير إنها كلٌ واحد.. العودة إلى الماضي تشكل بحثاً، ولكي يبين صعوبة تحليل الفكر اللاواعي يتحول الاستجواب إلى تحقيق؛ لأن اللغز الحقيقي هو الإنسان. لا يعتمد ترتيب الذكريات على تسلسل زمني بل يخضع لمنطق الأحاسيس.. يجمع شوبير صوراً متباعدة في الزمن لكن مناخاً حسياً يوحد بينها، القلق أو الغبطة، الخوف أو فيض السعادة.. إنه يرى حياته كلها من جديد، أحلامه الممزوجة بالذكريات، رغباته التي لم ترتو؛ لكنه يستعيد طفولته بشكل خاص، طفولته الأولى، السن الذي تتشكل فيه، حسب النظريات الفرويدية، شخصيته، وعُقده، العمر الذي تحدد فيه الصدمات النفسية صفاته الثابتة.. لقد عرف أيضاً أحاسيس هاربة تسبق يقظة الوعي، وهذه حالة نباتية صرفة، إنها حساسية تعود إلى ما قبل الولادة(1). إذا ما قارنا هذه المسرحية مع اعترافات اليوميات نلاحظ أن يونسكو تناول هنا ذكرياته الخاصة بعد أن غير قليلاً في أماكنها: شارع بلوميه الذي عاش فيه خلال الحرب، النزهات الليلية في الشوارع المعتمة، محاولة انتحار أمه، هذا الحدث الذي رسّخ لديه اليقين في الشفاء، نزاعاته مع والده، محاولاته العقيمة في الصلح، حسراته كان بإمكاننا أن نكون صديقين حميمين؛ الحالات الشعورية المتناقضة ذات عبء ثقيل وخفيف حدث ذلك ذات صباح من حزيران. استنشق هواء أخف من الهواء، أنا أخفّ من الهواء، الشمس تنحلّ في ضياء أكبر من الشمس، أنا أفرّ من خلال كل شيء، الأشكال اختفت. إنني أصعد.. أصعد.. ضياء يسيل.. إنني أصعد... أبداً لم يعبّر يونسكو، في مسرحه كله، عن نفسه بمثل هذه الطريقة الشاملة المباشرة.