في مسرحية لعبة القتل نجد من جديد جميع المسائل التي واجهها يونسكو.. يعرض كل مشهد موضوعاً أو يصف سلوكاً: إنها فرصة للتفكير والتساؤل عن الصداقة والحب، عن الاندهاش من الحياة والخوف من الوجود، عن الإبداع الأدبي، عن الإضطرابات السياسية، عن طغيان الإيديولوجيات، عن الطموح، عن العنف... الوباء، وهو القاسم المشترك بين المشاهد كلها، يحقق وحدة الأسلوب؛ ومن خلال التهديد الذي يعلنه يصبح أسلوباً للكشف عن الوجدان. لقد أبدى انتونان ارتو الملاحظة التالية عن الطاعون: أصاب الطاعون المجوس وهم نيام فأيقظ فساداً كامناً ودفعهم فجأة إلى أكثر التصرّفات تطرّفاً... كان ارتو يشبه المسرح بالطاعون تصوّر مسرحية لعبة القتل انتصار القوى السوداء: أمام الموت تسقط الأقنعة كلها: الخوف، الجشع، الأنانية، القسوة، كلها تظهر دون مواربة؛ وكذلك الكرم والحب، فأولئك الذين يحبون الحياة حقاً يعرفون كيف يموتون دون خوف، وهذا ما اعترف به بيرانجيه إلى مارتا في مسرحية الماشي في الهواء. تقدّم كل لوحة فكرة خاصة لكن المسرحية تكتسب مغزاها من الموت. الموت ماثل أمامنا، حاضر دون تبرير أو انقطاع. إنه الطاعون أو النار، وكل قوّة من تلك القوى السوداء الكامنة في العالم أو في الإنسان تولّد الموت. يضرب الموت عشوائياً، فهو ليس عقوبة إذن كما أنه ليس وعداً: لا أحد يرى فيه معبراً إلى عالم آخر أو تسامياً إنه يحيل كل عمل إلى عبث وكل جهد إلى سخرية. إنه التساؤل الأكبر ماالفائدة؟. ما الفائدة من الصداقة والحب والذكاء؟ ما الفائدة من الكراهية والطموح؟ ذلك كله لا فائدة منه. لكي تكتسب الحياة معنى لابدّ من الشفاء من الموت، وهذا ما قاله جان إلى ماري- مادلين في العطش والجوع وهذا ما شرحه بيرانجيه للصحفي في الماشي في الهواء : أنا مشلول لأنني أعرف أنني سأموت قريباً. في لعبة القتل لا توضّح أية شخصية فكرة الكاتب لكن المسرحية تفرض هذه الفكرة بوضوح: يسلب الموت من الحياة كل قيمة، والقدر لا معنى له، والوضع الإنساني لامعقول يتناول يونسكو إذن في لعبة القتل المواضيع الكبرى التي عالجها في مسرحه مع محاولة لتجديد الأساليب والتقنيات. من خلال هذه الاستمرارية في رؤية العالم، هل يمكن اعتبار هذه المسرحية نقطة انطلاق نحو أسلوب جديد؟