الآية التالية تكشف عن حقيقة ما يكنّهمجموعة من أهل الكتاب و المشركين من حقد وعداء للجماعة المؤمنة: ما يَوَدُّالَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِالْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْيُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْرَبِّكُمْ، و سواء ودّ هؤلاء أم لم يودّوافرحمة اللّه لها سنّة إلهية و لا تخضعللميول و الأهواء: وَ اللَّهُ يَخْتَصُّبِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
الحاقدون لم يطيقوا أن يروا ما شمل اللّهالمسلمين من فضل و نعمة، و ما منّ عليهم منرسالة عظيمة، و لكن فضل اللّه عظيم.
مغزى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا أكثر من ثمانين موضعا خاطب اللّهالمسلمين في كتابه الكريم بهذه العبارة، وكل هذه المواضع من القرآن الكريم نزلت فيالمدينة، و لا وجود لهذه العبارة فيالآيات المكية، و لعل ذلك يعود إلى تشكلالجماعة المسلمة في المدينة، و إلى ظهورالمجتمع الإسلامي بعد الهجرة. و لذلك خاطباللّه الجماعة المؤمنة بعبارة ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.
و هذا الخطاب يتضمن إشارة إلى ميثاقالتسليم الذي عقدته الجماعة المسلمة معربّها بعد الإيمان به، و هذا الميثاق يفرضعلى الجماعة الطاعة و الانصياع لأوامر ربّالعالمين، و الاستجابة لما يأتي بعد هذهالعبارة من أحكام.
جدير بالذكر أن كثيرا من المصادرالإسلامية بما في ذلك مصادر أهل السنة،
روت عن الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّمقوله: «ما أنزل اللّه آية فيها يا أيّهاالّذين آمنوا إلّا و عليّ رأسها و أميرها»«1».
1- الدر المنثور، نقلا عن أبي نعيم في«حلية الأولياء» عن ابن عباس.