ينبغي التأكيد هنا على أنّ علوم البشرمحدودة، مقرونة بآلاف الفجوات المبهمة والأخطاء الكبيرة، و الإنسان أيضا لا يطمئنبدقة إلى معلوماته، لأنه شاهد أخطائه وأخطاء الآخرين.
من هنا كان من الضروري مجيء الأنبياءبعلومهم الحقّة الخالية من الأخطاءالمستمدة من مبدأ الوحي إلى النّاس،ليزيلوا أخطاءهم، و يملأوا فراغات جهلهم،و يبعثوا فيهم اطمئنانا بعلمهم.
و يلزم التأكيد أيضا على أن الشخصيةالبشرية تتكون من «عقل» و «غرائز»، و لذلككان الإنسان بحاجة إلى «التربية» بقدرحاجته إلى «العلم»، و ينبغي أن يتكاملعقله، و أن تتجه غرائزه نحو هدف صحيح.
لذلك فإن الأنبياء معلمون، و مربون،يزودون النّاس بالعلم، و بالتربية.
- في أربعة مواضع ذكر القرآن مسألةالتربية و التعليم باعتبار هما هدفالأنبياء، و في ثلاثة مواضع منها قدمت«التربية» على «التعليم» (البقرة، 151- آلعمران، 164- الجمعة، 2).
و في موضع واحد تقدم التعليم على التربية(آية بحثنا). و نعلم أن التربية لا تتم إلّابالتعليم.
لذلك حين يتقدم التعليم على التربية فيالآية فإنما ذلك بيان للتسلسل المنطقيالطبيعي لهما. و في المواضع التي تقدمتفيها التربية، فقد يكون ذلك إشارة إلىأنها الهدف، لأن الهدف الاصلي هو التربية،و ما عداها مقدمة لها.
3- النّبي من النّاس- تعبير «منهم» فيالآية وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًامِنْهُمْ يشير إلى أن قادة البشرية ينبغيأن يكونوا بشرا بنفس صفات البشر الغريزية،كي يكونوا القدوة اللائقة في الجوانبالعملية. و من الطبيعي أنهم- لو كانوا منغير البشر- ما استطاعوا إدراك حاجاتالنّاس و المشكلات العويصة الكامنة لهم فيحياتهم، و لا أمكنهم أن يكونوا قدوة و أسوةلهم.