وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُفِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ. «1»
ثم يقول الآية فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراًفَهُوَ خَيْرٌ لَهُ «2» أي من تطوع للإطعامأكثر من ذلك فهو خير له.
و أخيرا تبين الآية حقيقة هي: وَ أَنْتَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْتَعْلَمُونَ.
استدل بعض بهذه الآية على أن الصوم كان فيبداية التشريع واجبا تخييريا، و كانالمسلمون مخيرين بين الصوم و الفدية، ثمنسخ هذا الحكم بعد أن تعوّد المسلمون علىالصوم و أصبح واجبا عينيّا، و لكن ظاهرالآية يدلّ على تأكيد آخر على فلسفةالصوم، و على أن هذه العبادة- كسائرالعبادات- لا تزيد اللّه عظمة أو جلالا، بلتعود كل فوائدها على النّاس.
الشاهد على ذلك ما جاء في القرآن من تعبيرمشابه لذلك، كقوله سبحانه بعد ذكر وجوبصلاة الجمعة: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْكُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «3».
و قوله تعالى: وَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَلِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْكُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «4».
بهذا تبين أن عبارة وَ أَنْ تَصُومُواخَيْرٌ لَكُمْ موجهة إلى كل الصائمين لاإلى
1- «يطيقونه» من «الطوق» و هو الحلقة التيتلقى على العنق، أو توجد عليه بشكل طبيعي(كطوق الحمام) ثم أطلقت الكلمة على نهايةالجهد و الطاقة، و الضمير في «يطيقونه»يعود على الصوم، أي الذين يبذلون غايةطاقتهم لدى الصوم، أو بعبارة اخرى: الذينيجهدهم الصوم و يثقل عليهم، و هم الطاعنونفي السّن و المرضى الذين لا يرجى علاجهم،فهؤلاء معفوون من الصوم و عليهم أن يدفعواالفدية بدل ذلك (و على المرضى الذين يشفونأن يقضوا صومهم). و قيل «الّذين يطيقونه» يعني الذين كانوايطيقونه، و لم يعودوا اليوم قادرين علىالصوم (و هذا المعنى جاء في بعض الروايات). 2- قيل في عبارة «تطوّع خيرا» إنها إشارةإلى الصوم المستحب، و قيل أيضا: إنها تأكيدعلى أن الصوم ينبغي أن يكون عن رغبة وطواعية، لا عن إجبار و إكراه. 3- الجمعة، 9. 4- العنكبوت، 16.