إنّ كلمة الجهل و ما يشتق منها و إن كانتلها معان مختلفة، و لكن يستفاد من القرائنأنّ المراد منها في الآية المبحوثة هنا هوطغيان الغرائز، و سيطرة الأهواء الجامحة وغلبتها على صوت العقل و الإيمان، و في هذهالصورة و إن لم يفقد المرء العلمبالمعصية، إلّا أنّه حينما يقع تحت تأثيرالغرائز الجامحة، ينتفي دور العلم و يفقدمفعوله و أثره، و فقدان العلم لأثره مساوللجهل عملا.
و أمّا إذا لم يكن الذنب عن جهل و غفلة، بلكان عن إنكار لحكم اللّه سبحانه و عناد وعداء، فإن ارتكاب مثل هذا الذنب ينبئ عنالكفر، و لهذا لا تقبل التوبة منه، إلّا أنيتخلّى عن عناده و عدائه و إنكاره و تمرده.
و في الحقيقة إنّ هذه الآية تبيّن نفسالحقيقة التي يذكرها الإمام السجاد عليهالسّلام في دعاء أبي حمزة ببيان أوضح إذيقول: «إلهي لم أعصك حين عصيتك و أنابربوبيتك جاحد و لا بأمرك مستخف، و لالعقوبتك متعرض، و لا لوعيدك متهاون، لكنخطيئة عرضت و سولت لي نفسي و غلبني هواي».
ثمّ إنّ اللّه سبحانه يشير إلى شرط آخر منشروط قبول التوبة إذ يقول: ثُمَّيَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ.
هذا و قد وقع كلام بين المفسّرين فيالمراد من «قريب» فقد ذهب كثيرون إلى أنّمعناه التوبة قبل أن تظهر آثار الموت وطلائعه، و يستشهدون لهذا الرأي بقولهتعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُلِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِحَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُالذي جاء في مطلع الآية اللاحقة، و يشيرإلى أن التوبة لا تقبل إذ ظهرت علاماتالموت.
و لعل استعمال لفظة «قريب» إنّما هو لأجلأن نهاية الحياة الدنيوية مهما بعدت فهيقريبة.
و لكن بعض المفسرين ذهب إلى تفسير لفظة«من قريب» بالزمان القريب من وقت حصولالمعصية، فيكون المعنى أن يتوبوا فورا، ويندموا على ما فعلوه