امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 3 -صفحه : 703/ 259
نمايش فراداده

و في هذه إشارة إلى إحدى الصفات الذميمةالتي قد يبتلى بها كثير من الأفراد والشعوب، إنّها صفة مدح الذات و تزكيةالنفس، و ادعاء الفضيلة لها.

ثمّ يقول سبحانه: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّيمَنْ يَشاءُ فهو وحده الذي يمدح الأشخاص ويزكيهم طبقا لما يتوفر عندهم من مؤهلات وخصال حسنة دون زيادة أو نقصان، و على أساسمن الحكمة و المشيئة البالغة، و ليساعتباطا أو عبثا. و لذلك فهو لا يظلم أحدامقدار فتيل: وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا«1».

و في الحقيقة أنّ الفضيلة هي ما يعتبرهااللّه سبحانه فضيلة لا ما يدعيه الإشخاصلأنفسهم انطلاقا من أنانيتهم، فيظلمونبذلك أنفسهم و غيرهم.

إن هذا الخطاب و إن كان موجها إلى اليهود والنصارى الذين يدعون لأنفسهم بعض الفضائلدونما دليل، و يعتبرون أنفسهم شعوبامختارة فيقولون أحيانا: لَنْ تَمَسَّنَاالنَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً«2» و يقولون تارة أخرى: نَحْنُ أَبْناءُاللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ «3» إلا أنّمفهومه لا يختص بقوم دون قوم، و جماعة دونجماعة، بل يشمل كل الأشخاص أو الأممالمصابة بمثل هذا المرض الوبي، و هذهالصفة الذميمة.

إنّ القرآن يخاطب جميع المسلمين في (سورةالنجم- الآية 32) فيقول:

فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَأَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏.

إنّ مصدر هذا العمل هو الإعجاب بالنفس والغرور، و العجب الذي يتجلى شيئا فشيئا فيصورة امتداح الذات و تزكية النفس، بينماينتهي في نهاية المطاف إلى التكبر والاستعلاء على الآخرين.

إنّ هذه العادة الفاسدة- مع الأسف- منالعادات الشائعة بين كثير من‏

1- القتيل في اللغة بمعنى الخيط الدقيقالموجود بين شقي نواة التمر، و يأتي كنايةعن الأشياء الصغيرة و الدقيقة جدا، و أصلهمن مادة «فتل» بمعنى البرم.

2- البقرة، 80.

3- المائدة، 18.