و يتّضح من هذا إنّ الذين يتذرعون بمثلهذه الآيات لنفي كل توسل بالأنبياء والأئمّة، و يعدون ذلك شركا، في خطأ فاضح،حيث تصوروا بأنّ التوسل بالنّبي أو الإماممفهومه أن نعدّ النّبي أو الإمام مستقلابنفسه في قبال اللّه- و العياذ باللّه- وأنّه يملك النفع و الضرر أيضا.
و لكن من يتوسل بالنّبي أو الإمام معالإعتقاد بأنّه لا يملك شيئا من نفسه، بليطلبه من اللّه، أو أنّه يستشفع به إلىاللّه، فهذا الإعتقاد هو التوحيد عينه والإخلاص ذاته. و هو ما أشار إليه القرآن فيالآية محل البحث بقوله: إِلَّا ما شاءَاللَّهُ أو بقوله: إِلَّا بِإِذْنِهِ فيالآية مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُعِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
فبناء على ذلك فإنّ فريقين من الناس علىخطأ في مسألة التوسل بالنّبي و الأئمّةالطاهرين ...
الفريق الأوّل: من يزعم أنّ النّبي أوالإمام له قدرة و قوة مستقلة بالذات فيقبال اللّه، فهذا الإعتقاد شرك باللّه.
و الفريق الآخر: من ينفي القدرة- بالغير-عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، فهذاالإعتقاد انحراف عن مفاد آيات القرآنالصريحة.
إذن: الحق هو أنّ النّبي و الأئمّة يشفعونللمتوسل بهم بإذن اللّه و أمره، و يطلبونحل معضلته من اللّه.
و بعد بيان هذا الموضوع تشير الآية إلىمسألة مهمّة أخرى ردّا على سؤال جماعةمنهم فتقول: وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُالْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَالْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ «1».
لأنّ الذي يعرف أسرار الغيب يستطيع أنيختار ما هو في صالحه، و أن يجتنب عمّايضرّه.
(1) في الحقيقة أن هناك حذفا في الآيةتقديره «لا أعلم الغيب» و الجملة التيبعدها شاهدة على ذلك.