و إن الهجرة تهدم ما كان قبلها، و إن الحجيهدم ما كان قبله» «1»
و المقصود من الحديث آنفا هو أنّ كل ماعمله الإنسان من سيئات و حتى تركه للفرائضو الواجبات قبل إسلامه فسوف يمحى عنهبقبوله الإسلام، و لا يكون قبوله للإسلامأثر رجعي لما سبق، لهذا ورد في كتب الفقهعدم وجوب قضاء ما فات من العبادات على منأسلّم.
و تضيف الآية قائلة: إنّهم إن لم يصححواأسلوبهم وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْسُنَّتُ الْأَوَّلِينَ.
و المقصود من هذه السنة هو ما آل إليهأعداء الحق بعد ما واجهوا الأنبياء، و ماأصاب المشركين عند ما واجهوا النّبيالأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم فيمعركة بدر.
فنحن نقرأ في سورة غافر، الآية: (51): إِنَّالَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَآمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ.
و نقرأ في سورة الاسراء، الآية (77): بعدبيان سحق أعداء الإسلام قوله تعالى:سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَمِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِناتَحْوِيلًا.
و لمّا كانت الآية السابقة قد دعت الأعداءللعودة إلى الحق، و إن هذه الدعوة قد تولدهذه الفكرة لدى المسلمين و هي أنّه قدانتهت فترة الجهاد و لا بدّ بعد الآن مناللين و التساهل، ترفع هذه الشبهة الآيةالتالية و تقول: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُكُلُّهُ لِلَّهِ.
و كلمة «الفتنة»- كما بيناها في تفسيرالآية (193) من سورة البقرة- ذات معنى واسعتشمل كل أنواع الضغوط، فتارة يستعملهاالقرآن بمعنى عبادة الأصنام و الشرك الذييشمل كل أنواع التحجر و الجمود و اضطهادأفراد المجتمع.
(1) صحيح مسلم وفقا لما نقله صاحب المنار فيتفسيره، ج 9، ص 665.