و لمّا كانت أرض مكّة تستوعب منطقة واسعة«حولي 48 ميلا» فقد عدّت المنطقة كلها جزءامن المسجد الحرام، كما نقرأ عن ذلك فيالآية (196) من سورة البقرة، إذ تذكر موضوعحج التمتع و أحكامه فتقول: ذلِكَ لِمَنْلَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِيالْمَسْجِدِ الْحَرامِ.
و المعروف عند الفقهاء و فتاواهم أن أحكامحج التمتع إنما تجب على من تبعد داره «أودار أهله» أكثر من 48 ميلا عن مكّة.
فبناء على ذلك لا مانع أبدا من أن يطلق علىالحديبية، التي تبعد 15 ميلا عن مكّة،تعبير: عند المسجد الحرام.
و أمّا قول بعضهم: إن الاستثناء الوارد فيالآية إنما هو في شأن مشركي قريش، الذينعدّ القرآن الكريم عهدهم الذي عقدوه فيصلح الحديبية محترما، فهذا القول يبدوبعيدا، بل هو غير صحيحى، لأنّه.
أوّلا: من المعلوم أنّ مشركي قريش نقضواالعهد، فنقضهم مقطوع به، و لا مراء فيه،فإن لم يكونوا قد نقضوا العهد، فمن الذينلم ينقضوا عهدهم إذا؟! ثانيا: إن صلحالحديبية إنّما كان في السنة السادسةللهجرة، بينما أسلم مشركو قريش في السنةالثامنة للهجرة بعد فتح مكّة، فبناء علىذلك فالآيات هذه النازلة في السنة التاسعةللهجرة، لا يمكن أن تكون ناظرة إليهم.
كما قلنا ذيل الآيات المتقدمة، فإنّالمراد من الآيات محل البحث لا يعني جوازالغاء العهد بمجرّد تصميم المشركين وعزمهم على نقض العهد عند بلوغهم القدرة،بل إنّهم أبدوا هذا الأسلوب و طريقةتفكيرهم عمليّا مرارا، فمتى استطاعوا أنيوجهوا ضربتهم إلى الإسلام دون الالتفاتإلى المعاهدة وجهوها.
و هذا المقدار من عملهم كاف لإلغاء عهدهم.